“سايكس بيكو” الجديدة.. بعد مائة عام

أميركا غابت عن تقاسم مناطق النفوذ في سايكس بيكو، وكذلك روسيا كانت على الهامش، اليوم أميركا وروسيا هما اللاعبان الأقوى والأكثر فاعلية في المنطقة، وإن كل خلاف يحصل في المنطقة ترى هناك معسكرين متضادين؛ أحدهما تحت الوصاية الأميركية، والآخر تحت الوصاية الروسية، ومن خرج عنهما فشل، كما حصل ويحصل في سوريا الآن.

عربي بوست
تم النشر: 2017/06/23 الساعة 04:25 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/06/23 الساعة 04:25 بتوقيت غرينتش

"في صراعات الدول الكبرى على مناطق النفوذ يكون الإنسان البسيط هو الضحية، وتكون حقوق الإنسان مجرد شعارات مفرغة، وكأنما يتفق العالم على السكوت وغض البصر عن الجرائم والانتهاكات الصارخة بحق الأبرياء، وما يحدث في سوريا واليمن والعراق وليبيا إلا نتاج هذا الصراع المجنون على النفوذ بين أقطاب العالم في أرض ليست هي بأرضهم".

بعد تهاوي الدولة العثمانية وانحسار نفوذها على المنطقة العربية كنتيجة الخسارة في الحرب العالمية الأولى، حصلت اتفاقات سرية تقضي بتقاسم الهلال الخصيب بين الدبلوماسي الفرنسي فرانسوا جورج بيكو والبريطاني مارك سايكس، وقد اتفق الطرفان على تقسيم المنطقة إلى مناطق نفوذ بمصادقة الإمبراطورية الروسية آنذاك مقابل دعم الشيوعيين وإيصالهم إلى سدة الحكم.

لقد تم تقسيم المنطقة بموجب الاتفاق، وحصلت فرنسا على الجزء الأكبر (سوريا ولبنان) ومنطقة الموصل في العراق.

أما بريطانيا فامتدت مناطق سيطرتها من طرف بلاد الشام الجنوبي متوسعاً بالاتجاه شرقاً؛ لتضم بغداد والبصرة وجميع المناطق الواقعة بين الخليج العربي والمنطقة الفرنسية في سوريا.

كما تقرر أن تقع فلسطين تحت إدارة دولية يتم الاتفاق عليها بالتشاور بين بريطانيا وفرنسا وروسيا. نص الاتفاق أيضاً على منح بريطانيا ميناءي حيفا وعكا على أن يكون لفرنسا حرية استخدام ميناء حيفا، ومنحت فرنسا لبريطانيا بالمقابل استخدام ميناء الإسكندرونة الذي كان سيقع في حوزتها.

"توجد تفاصيل أكثر عن الاتفاق وما لحقه من تغيرات يمكن الاطلاع عليها"
لست بصدد إعادة كتابة ما حدث آنذاك فهو معروف للجميع، ولكن لربط الأحداث بما يحدث الآن وما سيحصل بالمستقبل القريب في منطقة أقل ما يقال عنها إنها تحترق، ومن يقرر عنها ليس أهلها أو حتى الدمى من حكامها.

أميركا غابت عن تقاسم مناطق النفوذ في سايكس بيكو، وكذلك روسيا كانت على الهامش، اليوم أميركا وروسيا هما اللاعبان الأقوى والأكثر فاعلية في المنطقة، وإن كل خلاف يحصل في المنطقة ترى هناك معسكرين متضادين؛ أحدهما تحت الوصاية الأميركية، والآخر تحت الوصاية الروسية، ومن خرج عنهما فشل، كما حصل ويحصل في سوريا الآن.

معسكر النظام الذي تدعمه روسيا ومن بعدها إيران، ومعسكر المعارضة الذي تدعمه أميركا ومن بعدها بعض الدول العربية وتركيا، كذلك الصراع في العراق واليمن وليبيا، لم يقف الروس والأميركان مع أي طرف حباً أو نصرة للإنسان، فالكل يعلم الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في كل مناطق الصراع.

يبدو اليوم أنه صراع مصالح ونفوذ على مناطق سايكس – بيكو، وكأن غياب أميركا وروسيا السابق جعلهما اليوم اللاعبين الأساسيين اللاهثين وراء النفوذ في المنطقة، وكأن هنالك إعادة تقاسم نفوذ للمنطقة بعد مائة عام من اتفاقية سايكس – بيكو التي هرمت.

اليوم المعادلة تغيرت، لم تعد القوى الكبرى تبحث عن أراض جديدة لتستعمرها، وإنما خلق سوق جديدة لبضائع الحرب وشركات السلاح، بالإضافة إلى التحكم في مصادر الطاقة والنفط وخطوط النقل في الشرق الأوسط.

كل هذا يحصل على حساب الشعوب التي ليس لها حول ولا قوة، لقد ناضلت شعوب المنطقة لنيل حريتها وتنفس هواء الحرية الذي منعته الديكتاتوريات التي هي بالغالب تدين بالولاء والطاعة إلى القوى العظمى، مقابل بقائهم في المناصب.

ما حدث في الربيع العربي ليس ببعيد عنا، فكل البلدان التي انتفضت وأرادت تغيير الأنظمة الفاسدة المستبدة التي تمسكت بالحكم لفترات طويلة، اصطدمت بتدخل القوى العظمى لتكون راعية التغيير الشكلي لأنظمة أخرى قد تكون أكثر فساداً واستبداداً، إلا أنها ترتدي ثوب الديمقراطية.

كل تغيير خرج عن إرادة الدول العظمى عوقبت عليه الشعوب، إما بتسليط نفس الحاكم أو خلق صراعات أخرى تبعد الناس عن الهدف الحقيقي للثورة كما حدث في سوريا؛ حيث ضربت الثورة وتغير مسارها ومسار الصراع، مما أعطى ذريعة للتدخل السافر والقصف الإجرامي والحصار على مناطق سوريا مع استمرار استبداد النظام.
مع وصول ترامب للسلطة وبقاء بوتين على نفس سياسة التدخل، قد نشهد سايكس – بيكو جديدة يرسمها لافروف وتيليرسون، مع تحولات كبيرة في المنطقة قد يؤدي ذلك إلى تقسيم دول أو إعادة رسم الحدود على أسس عرقية وطائفية، بما يضمن نفوذ أميركا وروسيا على المناطق الغنية في المنطقة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد