تدافعت الأحداث في منطقة الخليج العربي بسرعة غير متوقعة لأغلب المراقبين؛ مما أحدث ارتباكاً في التحليل عند غالب النخبة السياسية، وذهب بالبعض للتعجّل في توقع أسباب الأزمة الخليجية، ومع تتابع الأحداث بسرعة وأيضاً مع تدفق التصريحات من قِبل الدول المحاصِرة -بكسر الصاد- والتي بررت للخطوة بأسباب متناقضة وغير مستندة لأدلة حقيقية، تهافت الكتاب والمعلقون على الأحداث نحو استنتاج أسباب لا علاقة لها بالحقيقة، أو بتعبير آخر لا تستند لأدلة قوية، مما أدى إلى انتشار كثير من القصص المثيرة والأخبار الصفراء التي يصعب الجزم بصحتها كقصص على غرار الفدية المالية أو بسبب خلاف قبائلي وغيرها.
من أجل ذلك وتجنباً للدخول في تلك الجوقة بلا تثبت وبدون أدلة ووقائع محسوسة يمكن الرجوع إليها، سنحاول هنا توقع وتحليل المستقبل بناء على الذي يحدث الآن، وسنترك معرفة أسباب الحصار لمن يملك المعلومات التي حتماً ستظهر يوماً ما.
سرعة الأحداث توحي بعنصر المفاجأة لكلا الطرفين، فلا قطر توقعت حصاراً بهذا العنف، ولا المحاصرون توقعوا دخول طرف ثالث فاعل في المنطقة كتركيا في دعم دولة قطر بتلك السرعة، فارتبكت حسابات جبهة الحصار، ولم تكن هناك خطط بديلة، وفي مثل هذه الحالات نتوقع أن يذهب المستقبل إلى إحدى ثلاثة خيارات:
إما التراجع، وبذلك يفقد معسكر الحصار هيبته وسمعته ونفوذه لحساب الطرف الآخر.
وإما التهور والدخول في مغامرة غير محسوبة عسكرية كانت أو مخابراتية، فتدخل المنطقة في أتون حرب أهلية، ومواجهات عنيفة يصعب الخروج منها، وإما مواصلة الحصار فتضطر قطر للخروج من مجلس التعاون الخليجي، وتبدأ في المنطقة سلسلة من التحالفات والمحاور الجديدة، قد لا تكون قطر فيها أول من ينفض، وقد تتبعها دول أخرى كالكويت وعمان التي تبحث عن فرصة للخروج منذ وقت مبكر، وقد تدخل إيران ضمن المحاور الجديدة، وذلك ما لا ترغب فيه مجموعة الحصار، وخاصة المملكة العربية السعودية.
وبغض النظر عن الأسباب الحقيقية للحصار، فإنه من الخطأ في مجال العلاقات الخارجية أن تصل الأحداث إلى هذه المرحلة من الخصومة، ففي عالم السياسة كما يقول هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأميركي السابق: "لا توجد صداقات دائمة وإنما مصالح دائمة"، فوجود خيط رفيع من العلاقة مع أشد الخصوم ضروري، وليس من الحكمة الوصول إلى المرحلة التي تنقطع بها كل حبال التصالح.
فإدخال العلاقة مع الدول، خاصة التي تربطها علاقة جوار مع بعضها -ناهيك عن علاقة الدم والدين- في مرحلة اللاعودة مكلف على المدى القريب والبعيد، فحتى أكثر الدول عداءً لبعضها تجعل بينها وبين خصومها مساراً رقيقاً من التعاون الذي -في وقت الحوجة- تستند عليه لتعيد به المياه إلى مجاريها وتحفظ به مصالحها.
ما يحدث من توتر في المنطقة فضيحة على المستوى السياسي، ففي الوقت الذي تنتشر فيه الفوضى في المنطقة بأسرها وينعدم فيها الأمن لم يجد ساكنو البيت الخليجي حلاً سوى التكتل ضد بعضهم وفي جوار حائط بيتهم حرب تشتعل ومكائد تحاك.
للأسف الشديد أثبتت الأحداث الأخيرة أن المحن المتوالية على المسلمين لم تكن بسبب كيد أعدائهم بقدر ما كانت نتيجة مباشرة لكيدهم على بعضهم، ويبدو أن المسلمين بحاجة لحماية أنفسهم من أنفسهم، فقد نجحنا كمسلمين في التعاطف مع إخواننا في الدين بياناً وخطاباً ودبّجنا المقالات الطويلة في حق الأخوة والبنيان الواحد، وما زالت فوهات بنادقنا على صدور بعضنا جاثمة.
نتمنى زوال تلك الأزمة في أسرع وقت فتطورها قد يؤدي إلى نتائج سلبية على المنطقة بأسرها، وقد يساهم في زعزعة استقرار منطقة ليست في منأى من الفوضى.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.