جديد إذا قلنا، أو رددنا أن العراق يعيش في محنة، وهي تتفاوت وتختلف شدة أو خفة، حسب المكان أو الموقع الجغرافي، الذي يعاني ما يعانيه في ساعة وظرف زمني معين، حتى يصل اليوم إلى أم المحن ونكبة النكبات في الموصل، وهي على امتداد ما تعارفنا عليه من الأقوال من قبيل أم المعارك أو معركة المعارك، التي وصلت أحياناً إلى اتخاذها عناوين لا تؤدي إلى أي معنى من قبيل مطعم المطعم، أو معرض المعرض وغيرها من العناوين المنتشرة هنا أو هناك.
اليوم الموصل وساحلها الأيمن بالذات يعيش في أكبر محنة ونكبة ومأساة تعجز كل الكلمات والعبارات عن وصفها أو بيان حجمها: خراب، ودمار، وموت، وتهجير، وجوع، وحصار، وقتل، وإعدام، وكل ما يمكن تصوره أو لا تصوره في القرن الواحد والعشرين، عصر الفيسبوك والتواصل الاجتماعي، وحماية حقوق الإنسان والحيوان.
ولا يغطي كل ما يحدث في العراق من انتهاك وخرق لحقوق الإنسان وقتله بسبب أو من دون سبب، سوى حالة الحرب ضد داعش التي تشهد الانتصارات على عصابة إرهابية تحولت بين لية وضحاها إلى دولة توسعت وامتدت إلى كل مكان أرادت الامتداد والتوجه إليه، وبما جعلت العالم كله يستنهض ويهب هبَّة واحدة لتشكيل تحالف من أكثر من 68 دولة وقوة من العالم للتصدي لها في العراق وسوريا، مسرح هذه المعارك، والتي ربما ستمتد إلى دول ومدن أخرى في القادم من الأيام.
شركة داعش في طريقها للتصفية في الموصل، وهي شركة مختلطة مساهمة ذات عدم مسؤولية أخلاقية أو إنسانية وطبيعة إجرامية غير محدودة، وصاحبة قوة عسكرية وبشرية ودعائية أكبر من كثير من الدول في العالم، وقد نشرت الموت والدمار في كل بقعة وصلت إليها، لكن الخراب الأكبر الذي أحدثته هو في النفوس والمجتمعات التي تحولت إلى شعوب مفخخة بالكراهية وملغومة بالشك والتخوين وتدمير كل ما هو إنساني بين البشر.
محنة العراق ونكبة الموصل وأخواتها من المدن التي ابتليت بداعش ليست الخراب والدمار الذي حصل في البناء والجسور التي تحولت إلى أفظع متحف للإجرام والإرهاب في العالم، وإنما في الخراب والدمار الذي يملأ نفوس أهالي تلك المدن.
فلا أمل ولا ثقة ولا تقبل لأي واقع قادم أو مستقبل بسبب السقوط الكبير والواسع لكل الأطراف في المسؤولية عما وقع، فلا تسوية تاريخية ولا مصالحة وطنية ولا دستور ولا قانون يمكن أن ينفع مع هذا الخراب طالما لم تتم الإجابة والمحاسبة على الأسئلة التي ظلت بدون إجابة بعد 3 سنوات من نكبة الموصل وهي:
مَن المسؤول عن سقوط الموصل؟ كيف حدثت هذه النكبة مع كل الآلاف الموجودة من القوات العسكرية الحكومية والحزبية والعشائرية؟ لماذا لم يتحرك القضاء والادعاء العام للتحقيق فيها؟ أين هم العقلاء والوطنيون والحكماء الذين يجب أن يتحركوا بعد كل الذي جرى؟ متى تتم معاقبة المسؤولين عنها؟ ماذا سيكون الحال في الموصل بعد التحرير مع عودة المسؤولين والجلادين والضحايا إلى المدينة من غير محاسبة أو مكاشفة أو مصارحة أو عقاب؟
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.