يعد التدخل العسكري إحدى الآليات والأدوات المهمة "للقضاء" على الإرهاب؛ حيث خاضت الولايات المتحدة وعدد كبير من الدول حرباً ضد الإرهاب، كما وتنشأ التحالفات بين فترة وفترة لتحقيق ذات الهدف.
لكن وبالنظر إلى الشواهد السابقة يتضح أن العلاقة على العكس من الترتيل الذي يجري تسويقه، سواء في بعض الأدبيات السياسية، أو وسائل الإعلام، أو أي منصة أخرى مختلفة.
فمثلاً، تزايدت أعداد الحوادث والعمليات "الإرهابية" في أفغانستان من أقل من 30 عملية وحادثاً إرهابياً قبل التدخل العسكري الأميركي عام 2001 إلى ما يزيد عن 90 عملية وحادثاً إرهابياً في نفس العام، ثم ليتضاعف هذا الرقم إلى حدود 110 عمليات وحوادث إرهابية عام 2004، وعام 2007 إلى ما عدده 320 عملية إرهابية، وعام 2010 إلى ما حجمه 560 عملية وحادثاً إرهابياً، وعام 2013 إلى ما حجمه 1440 عملية وحادثاً إرهابياً، وفي بداية عام 2016 ما حجمه 1920 عملية وحادثاً إرهابياً.
العراق ليس أفضل حالاً من أفغانستان، فقبل الحرب الأميركية في العراق عام 2003 لم يتواجد في العراق أي حادث إرهابي، وخلال السنة الأولى للحرب الأميركية على العراق وقع أقل من 40 حادثاً وعملية إرهابية، ثم تضاعف الحجم عام 2004 إلى 180 حادثاً وعملية إرهابية، وفي عام 2007 تضاعف العدد إلى ما يزيد عن 940 عملية وحادثاً إرهابياً، وفي عام 2010 إلى حوالي 1315 عملية إرهابية، وبداية عام 2013 إلى 2720 عملية وحادثاً إرهابياً، وفي بداية عام 2016 ما حجمه 2799 حادثاً وعملية إرهابية بعد تصاعد المعدل في عام 2015 عن 4000 عملية وحادثاً إرهابياً.
مما سبق يحار المرء بين اعتبار التدخل العسكري الأجنبي في الدول الأخرى متغيراً ذا علاقة ارتباطية مع الإرهاب أم ذا علاقة سببية؛ حيث قبل التدخل العسكري بداية، لم تكن تلك الدول منبعاً للإرهاب، حتى وإن شهدت بعض الحوادث الإرهابية بين الحين والآخر هنا أو هناك، فهي حوادث ليست متصلة، وتعتبر أمراً طبيعياً، فكل الدول تشهد عدداً معيناً من الحوادث الإرهابية بين الحين والآخر، لكن وخلال التدخل تزايدت، بل تضاعفت معدلات العمليات الإرهابية بشكل كبير كما شاهدنا في المثالين السابقين، علماً أن أفغانستان كانت تعيش حالة من الحرب الأهلية، وعلى الرغم من ذلك، لم يتجاوز عدد الحوادث الإرهابية فيها ما يزيد عن 40 حادثاً سنوياً في أقصاه خلال عقد التسعينيات كاملاً.
لماذا؟
يساهم التدخل العسكري أياً كان مبرره، سواء لمحاربة الإرهاب كما في الحالة الأفغانية أو للقضاء على الدول الداعمة للإرهاب كما في الحالة العراقية، يساهم التدخل العسكري في إيجاد الظروف المادية والمعنوية الملائمة لتزايد معدلات الحوادث والعمليات الإرهابية التي تعد من وجهة نظر الغرب إرهاباً، ومن وجهة نظر المواطنين سواء في أفغانستان أو العراق مقاومة أو جهاداً، وفقاً لما يتوفر من أدوات.
أولاً: الظروف المادية:
يساهم التدخل العسكري في تدمير الهياكل والمؤسسات والبنى المختلفة في الدولة بما ويفتح المجال لتردي الأوضاع الاقتصادية العامة في الدولة المتدخل فيها أولاً؛ حيث تقطع الرواتب نتيجة لتعطل أعمال الحكومة والمؤسسات الخاصة عن أداء أعمالها بالشكل المطلوب، وتشل الحركة الاقتصادية للبلاد، وهو ما يساهم في تفشي البطالة وتزايد معدلات الفقر، وأحياناً مرور البلاد في حالات مجاعة قاسية؛ لينتقل بذلك الأفراد والمواطنون من حالة أقرب إلى الرفاهية إلى حالة أقرب إلى الذل والمهانة.
ثانياً: القضايا المعنوية:
تتشابه الحالتان الأفغانية والعراقية في عدد من القضايا، أولاً عقيدة الدولتين هي الإسلام، حيث يمثل المسلمون في أفغانستان حوالي 97% من السكان، ويمثل الإسلام في العراق 96% من السكان والمسيحيون حوالي 2%، هذا وتتشارك العقيدتان المسيحية والإسلامية بأدبيات تعتبر القتال فضيلة في سبيل الله في ظل الاحتلال.
كما يساهم التدخل العسكري لا سيما الغربي منه في بلاد المسلمين، في إحياء روح الحروب الصليبية، التي يراها المسلمون حروباً توسعية استعمارية، وهي الحروب التي سلبت منهم الأراضي المقدسة ردحاً من الزمن خلال القرون السابقة، ووصف بوش الابن لحملته على أفغانستان بالحملات الصليبية، إلا محض تأكيد على سعي الغرب إلى اجترار حالة وأوضاع الاستعمار البريطاني والفرنسي للمنطقة خلال القرن العشرين، وهو الاستعمار الذي كلف المنطقة غاليا، سواء من حيث التقسيم، وسلب الأراضي المقدسة ووهبها لليهود، أو إخراج شعوب المنطقة من دائرة التأثير الحضاري.
أيضاً يعني التدخل العسكري ومن زاوية أبعد إعلاناً لسلب الحرية، والمواطنة، والسيادة، والاستقلال، وحقوق الإنسان للشعب كاملاً، وهو ما يدفع إلى ضرورة مقاومة التدخل بكافة الوسائل المتاحة حتى وإن تم اللجوء إلى التطرف والإرهاب كما في التسمية الغربية، ففرق بين من يَقبل الحياة بطعم الموت ومن يُقبل على الموت لأجل الحياة كما يفترض هيغل، وكما يفترض سلوك المقاومين.
يبدو أن التدخل العسكري الأجنبي في الدول المختلفة يوفر الظروف المادية التي من شأنها أن تؤدي إلى إيجاد بيئة حاضنة لتنامي الإرهابيين والمتطرفين، كما في الحالة الليبية بعد تدخل الناتو فيها، كما ويحفز عدد من القضايا المعنوية والقيمية على البروز، لتكون منارة أو حافزاً على مقاومة التدخل بأي وسيلة حتى وإن كانت بالإرهاب والتطرف، وهو ما يجب أن يدفع الدول إلى إعادة النظر بالتدخل العسكري كأداة من أدوات مكافحة الإرهاب.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.