منذ تسلم الرئيس دونالد ترامب مقاليد الحكم في واشنطن، ولهجة إدارته تتصاعد تجاه إيران، خاصة بعد لقاء القمة في الرياض، بداية نحن أمام عالم لم تعد تحكمه سوى مصالح الشركات الكبرى، لم يعد هنالك مجال لأية أيديولوجيا معنية بحقوق الفرد بشكل عام، خاصة في منطقة ما يعرف بالعالم الثالث، والأخص من هذا العالم الثالث هو منطقة الشرق الأوسط.
أيام الحرب الباردة بين الغرب والسوفييت، كانت هنالك أيديولوجيتان تقودان الصراع، أيديولوجيا غربية تتمحور حول الديمقراطية وحقوق الإنسان ومواجهة المد الشيوعي، أيديولوجيا الشيوعية السوفييتية، معنية بإسقاط الإمبريالية وبناء الاشتراكية.
الآن لا أحد في مأمن بما فيها أوروبا، بغض النظر عن طبيعة التناقض أحياناً بين النظري في هاتين الأيديولوجيتين وبين الممارسة الفعلية لطرفي الصراع.
كنا نشاهد السوفييت يدعمون أنظمة فاسدة، ولا علاقة لها بالاشتراكية، كما نرى الغرب يدعم أنظمة لا علاقة لها بالديمقراطية وحقوق الإنسان.
الأمثلة في هذا المجال كثيرة ولا تحصى، الآن الصراع سياسي اقتصادي فقط، بل ثقافي، نلاحظ أن مجتمع الفرجة بكل قيمه وثقافته صار معمماً على الجميع، شاهد التلفزيون الروسي كأنك تشاهد أي تلفزيون أميركي أو فرنسي، شاهد التلفزيونات العربية، تراها أيضاً نسخة عن تلفزيون أميركي.
الفرجة أموال وسلطات تريد إعادة إنتاج سيطرتها، هنالك ديمقراطية وهنا في بلداننا مجرمة وفاسدة، الثروة والاقتصاد والمنافسة الاحتكارية هي التي تسود العالم الآن، بدون رتوش، يقول المؤرخ الروسي أندريه زوبوف معقباً على زيارة بوتين الأخيرة لباريس ولقائه الرئيس الفرنسي ماكرون المنتخب: إن العالم يواجه تحديات هائلة على المستوى العالمي – الفقر والجوع، والعطش والفقر في العالم الثالث الذي يؤدي للهجرة والإرهاب والاحتباس الحراري، والاختلالات التنموية، والتحول إلى مصادر جديدة للطاقة، وأكثر من ذلك بكثير، وماكرون مستعد لحل هذه المهام، وأيضاً ميركل، وغيرهما من قادة مجموعة الدول الصناعية السبع، ودول الاتحاد الأوروبي.
ومن الجهة الأخرى، ماذا يفعل بوتين؟ يقوم باختراقات وتهكير وتزوير الانتخابات، وكذب بلا حدود، وسرقات معاونيه والمقربين منه، مع عجز وعدم الرغبة في إيجاد حل لمشكلة شبه جزيرة القرم ودونباس وسوريا لصالح حق الشعوب بهذه الأراضي، وفقاً لروح القانون الدولي، ومع تبريره الدائم للأسد، الذي خنق مواطنيه بالغازات السامة.
ما يمكن للمرء استنتاجه من قول زوبوف أنه لم يعد هنالك نقيض لهذا التوحش، الإرهاب الذي يشنون الحرب عليه ليس نقيضاً بل هو جزء من هذا التوحش.
داعش في الحقيقة هي ثمرة من ثمرات هذا التوحش، الإرهاب قائمة؛ حيث تستطيع أميركا أن تضم أي نظام شرق أوسطي، أو أي تشكيل مدعوم من نظام شرق أوسطي لهذه القائمة.
كان ترامب في حملته الانتخابية يريد ضم السعودية، لكنه الآن ضم إيران، يقول الصديق صلاح بدر الدين: فقد ظهر أن المرتكز الأساسي لمبدأ ترامب مواجهة الإرهاب الإيراني في كل مكان واتهامه نظام طهران كمصدر أساسي لأعمال الإرهاب والفتنة المذهبية، وضرب استقرار البلدان من العراق إلى لبنان واليمن، مروراً بسوريا، وكما يظهر فقد شكل ذلك التوجه ارتياحاً في أوساط الوفود العربية والمسلمة، ناهيك عن السعودية كبلد مضيف، وقد تعهد الرئيس الأميركي أكثر من مرة، وفي أكثر مناسبة، بأن الولايات المتحدة لن تسمح بأن تستحوذ إيران على السلاح النووي.
فمبدأ ترامب الذي ظهر جلياً بشكل أوضح خلال زيارته الخارجية الأولى؛ حيث اتخذ مساراً مدروساً ينم عن البراغماتية والتعامل مع الظواهر كما هي على غرار عقلية السوق والعرض والطلب، فقد تضمنت رحلته ثلاث محطات رئيسية في السعودية واسرائيل والفاتيكان جمعت رمزية الديانات السماوية الثلاث (الإسلام واليهودية والمسيحية) والتي قد تفسر جوهر رؤيته إلى مضامين الصراع في العالم اليوم على أنه مواجهات دينية وحضارية (وهو أمر مازال مجال الخلاف والاختلاف) كما أعلن ذلك مواطنه (فوكوياما) قبل نحو عقدين من خلال كتابه صراع الحضارات.
هل يريد ترامب فعلاً إنهاء التمدد الإيراني المبني على مال النفط الإيراني من جهة والتطييف الأيديولوجي للمجتمعات العربية المنكوبة أنظمتها المجرمة من جهة أخرى؟ لا أعتقد أن المطروح ترامبياً يصل إلى هذا الحد، بل هو مزيد من احتواء نظام مشاغب هذه المحصلة من المبدأ الترامبي.
ثمة أمر آخر بدأت بعض الأصوات تتحدث بعد زيارة ترامب للسعودية، أن إيران حاجة أميركية، لكي تبتز أموال الخليج! هذا منطق في الواقع لا يقرأ حقيقة الوجود الأميركي في الخليج، ويريد أن يرى وظيفة إيرانية من الصراع المضبوط أميركياً بين إيران والخليج.
قبل نظام الملالي لم يكن الشاه يمثل تهديداً لأمن الخليج؛ لأنه يعرف أنه أميركي النفوذ كما هي حاله، أميركا لا تحتاج إيران الحالية إلا في استمرار تأهيل الجريمة في الشرق الأوسط.
هل يمكن أن يكون هنالك تغير نوعي في السياسة الأميركية على يد ترامب؟ ممكن لكن عندما نرى دعماً أميركياً حقيقياً للمعارضة الإيرانية.
عندما نرى دعماً أميركياً لبنى ديمقراطية وعلمانية حقيقية، وليس هشة لزوم الشغل واستمرار نفس المعادلة، للأسف النخب العربية عموماً، وخاصة النخب الداعمة للبسطار، لا تريد أن ترى عمق الوجود الأميركي في بنى الشرق الأوسط.
على هذا الأساس من المعرفة بالدور الأميركي، كنا نطالب أميركا بحماية المدنيين من بطش الأنظمة؛ لأننا نعرف دور أميركا في تأهيل الجريمة المنظمة باسم دول المنطقة، الصفقات التي تعقدها دول المنطقة مع الدول الكبرى هي جزء أساسي من عمل هذا الوجود الضامن الوحيد لاستمرار هذه السلطات واستمرار الجريمة بحق شعوب المنطقة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.