النشامى والأسود يعزفون ترنيمة الأمل على أرض البصرة الفيحاء

لم تكن تلك الجماهير المحتشدة على مدرجات ملعب جذع النخلة، في مباراة رفع الحظر عن الملاعب العراقية، قد جاءت فقط من أجل أن تشاهد لعبة كرة قدم، جاءت هذه الجماهير وهي متعطشة ويملأها الشوق في أن تستمع إلى النشيد الوطني بصوت الستين ألف متفرج وهم يرددون:

عربي بوست
تم النشر: 2017/06/15 الساعة 07:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/06/15 الساعة 07:58 بتوقيت غرينتش

لم تكن تلك الجماهير المحتشدة على مدرجات ملعب جذع النخلة، في مباراة رفع الحظر عن الملاعب العراقية، قد جاءت فقط من أجل أن تشاهد لعبة كرة قدم، جاءت هذه الجماهير وهي متعطشة ويملأها الشوق في أن تستمع إلى النشيد الوطني بصوت الستين ألف متفرج وهم يرددون:

موطني.. موطني
هل أراك.. هل أراك
سالما منعماً وغانماً مكرماً
هل أراك.. في علاك
تبلغ السماك.. تبلغ السماك
موطني.. موطني

صدحت الحناجر وهم ينشدون للأرض، للروح التي سكنت هذه الأرض، للقوة الخفية التي يستمد منها أكثر شعوب الدنيا ضيماً وقهراً العزيمة والإصرار وعدم رفع راية الهزيمة أمام الموت والظلاميين، لم أكن هناك ولا أدعي أنني أشعر بما شعر به مَن حضر، من هيبة وخشوع، لكننا نحن أهل العراق مهما تفرقنا أو ابتعدنا توحدنا واقتربنا، ومهما اختلفنا التف هذا العلم وهذا النشيد؛ ليلملم شتاتنا، ويجمع شملنا.

فكيف لا؟! ونحن جميعاً نشرب من دجلة والفرات اللذين يلتقيان على الحب في البصرة الفيحاء؛ حيث احتضنت أول فرح للجماهير العراقية، وهي ترى وتشجع منتخبها بلونه الأخضر يمثل عَلمهم الواحد، بعد سنين طويلة من الحظر على الكرة العراقية.

"إخواننا العرب، اشتاقت لكم ديارنا"، بهذه الشعارات ناشد العراقيون إخوانهم العرب وهم الأولى والأهل بالتلبية للنداء، وقد لبّى نشامى الأردن، وحملوا قلوبهم وحبهم إلى أرض العراق إلى البصرة الفيحاء ليكون لهم السبق في مساندة إخوتهم، سيذكركم أهل العراق، وستذكركم البصرة وأرضها ونخيلها.

وليس ببعيد عنهم فعل الخير، ومن كل إخواننا الذين ساندونا وفرحوا من أجلنا، أو أرسلوا رسالة، أو مَن نشر كلمة تشجيع وحب، شكراً لكم جميعاً، ونكرر: أرضنا تنتظركم، وديارنا ترحب بكم، وأهلها يرحبون بالجميع.

هذه الأرض، بروحها التي تسكننا، نحملها حين نكون بعيدين، وتحملنا حين نكون عليها، روح التحدي، والإخاء، والتسامح والوفاء.

مهما طرأ عليها من جور، وطارت فوقها غربان السوء، تريد أن تحيط بها بكل ما يعكر صفو أيامها حتى يستيئس الناس جميعاً، ثم تقوم بروحها التي لا تموت وتعيد البسمة من جديد، وإن كانت مثقلة بالهموم وصرخات المحزونين.

الأسبوع الماضي بالتحديد، وككل الأسابيع التي مضت قد ذرفنا الدموع، وأوقدنا الشموع على شهدائنا الذين رحلوا في الكرادة وهيت والموصل على أيدي الظلاميين الغادرين أعداء الحياة، كل هذه الجراح وما سبقها لن تثني أبناء هذا الشعب عن التمسك بالحياة، بالأمل، بالروح المكانية التي تلهمهم، تراهم متراصين على مدرجات جذع النخلة بكل ألوانهم، ينشدون معاً نشيدهم الوطني، ويحملون علمهم الذي تتوسطه "الله أكبر"، وكأنها عزاء وأمل لهم على أن الله أكبر وأقوى مِن كل مَن يريد بهم شراً.

نعم ينشدون للحياة بصوت مشجون بكل تراكمات الحزن، لكن كبرياء هذا الشعب يقول: يجب أن نحيا، أن نغني لهذه الأرض ولروحها التي لا تموت، هذه الروح التي تشبعت بها أجسادنا، وتشبعت بها أرضنا، وتشبعت بها سماؤنا، حتى صارت زادنا الذي نستمد منه طاقتنا.

منذ أن ولدت بغداد، ولدت معها روح تسكن أهلها وكل مَن زارها وشرب من مائها تشدهم شداً إلى هذه الأرض، ومنذ أن صار العراق عراقاً حتى صار جمجمة العرب، وكنز الإيمان، ومادة الأمصار، ورمح الله في الأرض.

هذا الرمح الذي لا يكسر هو أهلها الطيبين، المكابرين مهما جارت عليهم الأيام وجب عليهم الثبات والنهوض من جديد؛ ليرسم صورة جميلة عن العراق كما رآها العالم أجمع من على ملعب جذع النخلة، فقد رسم النشامى والأسود ترنيمة الأمل، مرحباً بكل أشقائنا على أرضنا.

وكما قال الشاعر أحمد بخيت:
معي في الحقيبة قبضة طين.. وشتلة نخلٍ ونهرُ بكاء.. سأزرع في كلِّ شبرٍ عراق.. يرحب بالأهل والأصدقاء.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد