مبدأ “ترامب” وقضايا الشعوب

أما مبدأ نيكسون، وهو يتلخص في عبارة واحدة وهي "فتنمة" الحرب الفيتنامية، أي تصدير الحرب للفيتناميين أنفسهم، فتتولى فيتنام الجنوبية المحمية من الولايات المتحدة مسؤوليتها في مواجهة فيتنام الشمالية والعودة قليلاً إلى الوراء يقودنا إلى أن الأساس في متغيرات النظام العالمي الراهن، يتمثل في المبدأ الذي أعلنه الرئيس الأميركي جورج بوش الابن، والمتضمن ثلاث نقاط:

عربي بوست
تم النشر: 2017/06/10 الساعة 04:27 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/06/10 الساعة 04:27 بتوقيت غرينتش

من المظاهر الخاصة المميزة في تاريخ النظام الرئاسي الأميركي ذي الصلاحيات الواسعة والخاضعة في الوقت ذاته لمعايير ورقابة المؤسسات العريقة للسلطة التشريعية، وخصوصاً الكونغرس، ارتباط مراحل معينة بأسماء رؤساء كان لهم دور ونفوذ في تبديل وتوجيه سياسات الدولة الرأسمالية الأعظم بالعالم من دون قطع الصلة والتداخل بين حقبة وأخرى، فهناك سلسلة متواصلة من "مبادئ" رؤساء مثل مبدأ "ترومان" ونصّ على "أنه حين يهدّد العدوان، مباشراً كان أو مُداوراً، أمنَ الولايات المتحدة الأميركية وسلامتها فعندئذ يكون لزاماً على الحكومة الأميركية أن تقوم بعملٍ ما لوقف هذا العدوان" ومبدأ أيزنهاور الذي اعتمد "سياسة الاحتواء"، مستعيناً بوزير خارجيته الشهير جون فوستر دالاس، المعادي للشيوعية، وكان الهدف هو إضعاف هيبة الاتحاد السوفييتي السياسية والصين باعتبار أن الأولى هي القوى الرئيسية المنافسة للولايات المتحدة، والثانية القوة الشيوعية الإقليمية المؤثرة في جنوب شرق آسيا.

أما مبدأ نيكسون، وهو يتلخص في عبارة واحدة وهي "فتنمة" الحرب الفيتنامية، أي تصدير الحرب للفيتناميين أنفسهم، فتتولى فيتنام الجنوبية المحمية من الولايات المتحدة مسؤوليتها في مواجهة فيتنام الشمالية والعودة قليلاً إلى الوراء يقودنا إلى أن الأساس في متغيرات النظام العالمي الراهن، يتمثل في المبدأ الذي أعلنه الرئيس الأميركي جورج بوش الابن، والمتضمن ثلاث نقاط:

الأولى: هي من ليس معنا فهو مع الإرهاب والإرهابيين. والثانية إعلان الولايات المتحدة الحرب على الإرهاب في كل زمان ومكان، والنقطة الثالثة: تبني الإدارة الأميركية السياسات الإسرائيلية فيما يتعلق بالمقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي؛ إذ اعتمدت الإدارة وجهة نظر "إسرائيل" التي تقول "إن أعمال المقاومة هي إرهاب، وإن إسرائيل تدافع عن نفسها وهي تشترك مع الولايات المتحدة في محاربته".

مبادئ هؤلاء الرؤساء (مبدأ ترومان ومبدأ جونسون ومبدأ نيكسون ومبدأ فورد ومبدأ ريغان ومبدأ كارتر ومبدأ بوش الأب ومبدأ بوش الابن ومبدأ أوباما..)، هذه المبادئ تعبر عن طبيعة نظرة الرئيس المخول شرعياً للقضايا الخارجية ومفاصلها، ولا شك أن الرئيس الحالي ترامب، وبكل خصوصياته الشخصية الفريدة، والآتي من عالم المال والأعمال يحمل في جعبته مفاهيم وسبل عمل وتوجهات قد تكون جديدة على المسار التقليدي في نادي الرؤساء الأميركيين السابقين، وفي الوقت ذاته منسجمة مع واقع الحالة المضطربة على الصعيد العالمي وانفلات الإرهاب من عقاله وتهديده المباشر لمستقبل البشرية.

فقد ظهر أن المرتكز الأساسي لمبدأ ترامب مواجهة الإرهاب الإيراني في كل مكان، واتهامه نظام طهران كمصدر أساسي لأعمال الإرهاب والفتنة المذهبية وضرب استقرار البلدان من العراق إلى لبنان واليمن مروراً بسوريا، وكما يظهر فقد شكل ذلك التوجه ارتياحاً في أوساط الوفود العربية والمسلمة، ناهيك عن السعودية كبلد مضيف، وقد تعهد الرئيس الأميركي، أكثر من مرة وفي أكثر مناسبة، بأن الولايات المتحدة لن تسمح بأن تستحوذ إيران على السلاح النووي.

فمبدأ ترامب الذي ظهر جلياً بشكل أوضح خلال زيارته الخارجية الأولى؛ حيث اتخذ مساراً مدروساً ينم عن البراغماتية والتعامل مع الظواهر كما هي على غرار عقلية السوق والعرض والطلب، فقد تضمنت رحلته ثلاث محطات رئيسية هي السعودية وإسرائيل والفاتيكان، جمعت رمزية الديانات السماوية الثلاث (الإسلام واليهودية والمسيحية)، والتي قد تفسر جوهر رؤيته إلى مضامين الصراع في العالم اليوم على أنه مواجهات دينية وحضارية (وهو أمر ما زال مجال الخلاف والاختلاف)، كما أعلن ذلك مواطنه (فوكوياما) قبل نحو عقدين من خلال كتابه: صراع الحضارات.

ولا شك أن مبدأ ترامب يتميز بالوضوح (بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف معه)، ويستند إلى جملة من المسلمات الصريحة والشديدة الوضوح من أبرزها التي أفصح عنها خلال كلمته المرتجلة في المؤتمر (الإسلامي العربي الأميركي) بالرياض أن الغالبية الساحقة من الإرهابيين والمتضررين منهم من العالمين الإسلامي والعربي، وتجب معالجة ذلك ثقافياً بتعميق الإصلاح في الفكر الإسلامي من الجذور وتصحيح المفاهيم والمناهج، وألا تنتظر حكومات تلك الدول حتى تحل محلها دول أخرى في محاربة الإرهاب والتطرف، وأن تسهم بتكاليف الحرب على الإرهاب، وألا تتردد ولا تنقسم فيما بينها في توصيف (نظام إيران وحزب الله وحماس)، كقوى إرهابية يجب مواجهتها ومشاركتها أيضا في القوة العسكرية المزمعة تشكيلها ضمن إطار اتفاق الشرق الأوسط الاستراتيجي، ضد التطرف والإرهاب.

مبدأ ترامب الذي خيّمت تجلياته على زيارته إلى السعودية مع كل حواملها الاقتصادية والعسكرية وبرامجها في تنظيم وتفعيل أفكار التسامح والاعتدال ومحاربة التطرف والإرهاب (والإيراني بشكل خاص) ليس فيما يتعلق بالبلد المضيف، بل في الخليج والبلدان العربية والإسلامية، شكلت تحولاً استراتيجياً عميقاً في توجه الإدارة الأميركية الجديدة حيال قضايا المنطقة، وستكون لها نتائج إيجابية على المدى المتوسط -كما يرتجيه المتفائلون- على القضية السورية بتضييق الخناق على نظام الاستبداد ووقف العنجهية الروسية، وفي لجم المد الإيراني المذهبي وبتر جذور داعش والقاعدة، وكسر شوكة التيارات المغامرة بالرغم من تحاشي المجتمعين بالرياض، وخاصة الرئيس الأميركي، ملامسة الحالة السورية بشكل واضح وحاسم، وتفادي بحث مسؤولية المحتل الروسي، والنأي بالنفس عن التشديد في إعلان إسقاط نظام الأسد.

كما يحمل مبدأ ترامب أمراً مستجداً بخصوص التعامل مع جماعات الإسلام السياسي، ورأى متابعون ممن تفاعلوا مع رئيس مركز "اعتدال" الذي شيد خلال الزيارة كمؤسسة أمنية إعلامية ثقافية تستهدف الإرهاب أن اتهاماته تأتي بمثابة إعلان صريح على "أن المركز لن يركز على مواجهة جماعات العنف المتطرفة مثل داعش والقاعدة فقط، بل سيركز أيضاً على جماعة الإخوان المسلمين، التي أدرجتها السعودية في 2014 على قائمة المنظمات الإرهابية"، وقد اعتبر ترامب في كلمته حركة حماس الإخوانية منظمة إرهابية وبخصوص القضية الفلسطينية أكد أمام الفلسطينيين والإسرائيليين أنه سيسعى إلى تحقيق سلام عادل في المستقبل القريب، وهذا التوجه المستجد حال دون حضور الرئيس أردوغان ودفع أمير قطر إلى الاحتجاج وإعلان التمرد على بيان مؤتمرات القمم في الرياض.

بخلاف تلك الإشارة السريعة المقتضبة حول مشاركة قواته في محاربة داعش في الموصل إلى جانب "الكرد والسنة والشيعة" لم يتطرق الرئيس في جميع خطاباته وتصريحاته إلى القضية الكردية في المنطقة، التي كما يظهر ليست ضمن بنود (مبدئه)، مع أن الكثيرين كانوا ينتظرون التفاتة إلى أوضاع الكرد في العراق وسوريا، ومن المرجح أنه تحاشى الخوض في تلك القضية من منطلق الحفاظ على مصالح بلاده، وتجنباً للإحراج أمام حلفائه من الدول المعنية بالقضية الكردية، وحتى لا يستفز أطرافاً فاعلة في المنطقة.

بالنهاية ما تم في الرياض هو تجسيد التقاء مصالح آنية، وترسيخ آليات لتعزيز الشراكة وإدامتها بين الدولة الأعظم والأنظمة الحاكمة في البلدان العربية والإسلامية، وتصحيح أميركي لنهج أوباما الانعزالي المسيء للعلاقات الشرق أوسطية (وقد تفلح أو تخفق)، وما يتعلق بشعوب المنطقة المغلوبة على أمرها مثل الكرد والفلسطينيين والسوريين وغيرهم فقد خبروا العالم والدول العظمى والكبرى والصغرى عبر تاريخهم وتجاربهم الطويلة المؤلمة، وواكبوا مراحل وأوقاتاً عصيبة تعرضوا فيها إلى الكوارث بسبب الصفقات التي تمت على حسابهم من جانب أنظمة وحكومات تلك الدول.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد