أظهرت أرقام رسمية وغير رسمية أنّ عدد المقاتلين الشباب التونسيين بصفوف داعش بلغ 5000 مقاتل كما منعت وزارة الداخلية التونسية قرابة 15 ألف شاب تونسي من الالتحاق ببؤر التوتر في سوريا وليبيا، وتعود هجرة الشباب نحو صفوف داعش إلى أسباب عديدة منها البطالة إذ بلغ عدد المعطلين عن العمل إلى 700 ألف معطل عن العمل ثلثهم من أصحاب الشهادات العليا بنسبة 17 بالمئة إضافة إلى عجز تجاري فاق الـخمسة مليارات دينار وفقر تجاوز 25 بالمائة وعجز بالميزانية ناهز 8 بالمائة وتفاقم الفساد بأكثر من 50 بالمائة بالإضافة إلى هبوط الدينار التونسي إلى أدنى مستوياته إزاء العملات الأجنبية، مؤشرات أدت أساساً إلى تدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي وتفشي اليأس في بلد شهد ثورة الرابع عشر من جانفي والتي أطاحت برأس النظام السابق.
قبل الرابع عشر من جانفي كانت حلول الشباب تتمحور أساساً في الهجرة السرية بقوارب الموت نحو أوروبا بحثاً عن النعيم في جنات الدول الأوروبية عوضاً عن جحيم البطالة ليستبدل الحلّ في السنوات الأخيرة وتصبح الهجرة نحو داعش حلاً ينقذ الشباب من شبح البطالة، لا يختلف المراقبون على أنّ الأسباب العقائدية سبب من أسباب الهجرة في حين يصرّح بعض الأخصائيين أن العامل الاقتصادي سبب وجيه للهجرة والانضمام إلى صفوف مقاتلي ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية خاصة وأنّ العمل تحت مسمى الجهاد بمقابل مادي يحدد سلفاً قبل الخروج من تونس ويعمل في تهريب المقاتلين عصابات ومافيات في الداخل والخارج لقاء مبالغ متفاوتة مستغلة في ذلك فقر الشباب ويأسهم من التغيير في تونس.
يعيش الشباب التونسي حالة من الفراغ والاستقالة من الشأن العام بعد سيطرة العجائز على المشهد العام والتحكم في دواليب الدولة وإقصاء الشباب منه إذ يبلغ سنّ رئيس الجمهورية أكثر من 87 سنة ويتحكم في المشهد السياسي التونسي الشيوخ سواء من النظام القديم أو الشخصيات المحسوبة على المعارضة زمن نظام بن علي في حين يحرم الشباب من التواجد في المشهد السياسي بل بالعكس استخدمت ورقة تعاطي المخدرات والمثلية ورقة ضدّهم كما استخدم النظام السابق ورقة الإرهاب ليسجن الشباب دون أن يبحث عن أجوبة حقيقية كيف يمكن لتونسي عاش في دولة متقدمة في الوعي والمشرع عن بقية أجوارها أن يكون مشروع داعشي وكيف يمكن أن تنقلب تونس بلد الأحوال الشخصية إلى المصدر الأول للمجاهدين.
لم تحاول الدولة التونسية الاستثمار في الشباب نصف المجتمع التونسي فقد كرّست التفاوت الطبقي بين جهات الداخل وجهات الرفاه، جهات تعيش تحت خطّ الصفر وأخرى تعيش ظروفاً أحسن بكثير.
وتعود أصول المهاجرين إلى داعش من بيئات فقيرة مهمشة لم تعمل الدولة على تحسينها أو القرب منها بقدر ما أصبحت هذه البيئات المهمشة والأحياء الشعبية حاضنة مفرخة للإرهاب وقد أثبتت العمليات الإرهابية الأخيرة التي شهدتها تونس أنّ المتورطين في هذه العمليات ينحدرون من بيئات مفقرة ومهمشة فشلوا في الاندماج في صلب المشروع الديمقراطي الناشئ وأعلنوا ولاءهم للتنظيم الأصولي الماضوي.
الإرهابيون مشروع فشل الدولة التونسية في التعاطي مع الشباب التونسي وفشل النخبة في تسويق خطاب الحرية والديمقراطية إذ تعالت النخب التونسية عن الواقع التونسي بافتعال معارك وهمية لا تخدم الشباب وطموحه في الارتقاء اجتماعياً واقتصادياً ومن دور الحكومة والنخب والمجتمع المدني الوصول إلى الشرائح الضعيفة والمحرومة والاستثمار فيها فتونس بلد صغير لا يملك موارد طبيعية تقيه من الفقر ومن الأزمات العالمية، بقدر ما تعول على رأسمالها البشري وهو أول الحلول وآخرها لبناء دولة تونسية حقيقية.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.