وعلى أعين الشعب غشاوة!

الحاضر والواقع العراقي لا ينكر أحد سيادة المشاكل فيه، وتضخم الأزمات بين الحين والآخر، وازدياد المهاترات والصراعات السياسية والقومية والطائفية، وهبوب زُهام الإرهاب عليه كلها أمور مؤلمة واضحة ألمت به؛ لذا هو بحاجة كبرى لحل منقذ، يغير ما فيه من ألم ودمار، فيحوله إلى استقرار وسلام.

عربي بوست
تم النشر: 2017/06/08 الساعة 04:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/06/08 الساعة 04:00 بتوقيت غرينتش

لا يُمكن أنْ تُحلَ مُشكِلَةٌ ما، بِلا دِراسةٍ أو خطّة، ولا يُمْكِنُ أن يُنهضَ بواقعٍ مَرير، بِلا رُؤيةٍ وأهداف، وغيابُهنَّ لا يؤدي إلا لتراكُم الأزماتِ وتَضَخُمها، حتى تَصِلَ إلى مَرحلةٍ لا يُمكِنُ حلها أبداً بعد ذلك، والبناء لا يمكن أن يتم بلا تخطيط، ومن الاستِحالة تأسيسُ شيءٍ عظيم بلا خطوات موضوعية صحيحة.

يمكن جمع الأهداف والروئ والخطط والخطوات، وما إلى ذلك، باسم واحد يدعى: المشروع، وبالنتيجة سيكون هو أعظم مما ضمَّهُنَّ، فنتيجة جمع ما هو عظيمٌ؛ أعظمُ.

الحاضر والواقع العراقي لا ينكر أحد سيادة المشاكل فيه، وتضخم الأزمات بين الحين والآخر، وازدياد المهاترات والصراعات السياسية والقومية والطائفية، وهبوب زُهام الإرهاب عليه كلها أمور مؤلمة واضحة ألمت به؛ لذا هو بحاجة كبرى لحل منقذ، يغير ما فيه من ألم ودمار، فيحوله إلى استقرار وسلام.

لأن المشاكل في العراق أغلبها سياسية، فهي بحاجة إلى حل سياسيٍ، ولأنها مشاكل كبيرة خانقة، لا بد أن يكون الحلَّ المنقذ لها مشروعاً حاوياً على أهداف وخطط وقضايا، متضمناً رؤية وخطوات صحيحة، مستنداً على منهج موضوعي صادق واضح، لا يسوده الكذب.

أمرٌ كهذا يتعلق بوعي الشعب لا غير، فما إن سار الشعب وراء المشاريع الحقيقية ونصرها، وما إن تخلّ عن الشعارات المزيفة ونبذها، كان النصر حليفه ووطنه.. لكن جوهر المشكلة يكمن باللاوعي السياسي المسيطر على المجتمع، فكان استغلال العواطف أمراً ليس عصياً على الساسة الكاذبين، وصارت العواطف المذهبية والدينية والقومية تجارة رابحة عندهم، يشترون بها أصواتاً، ويكسبون منها قواعد جماهيرية، تجيء عبر الأساليب الاستغلالية المزيفة.

قد يعتقد الكثير بخلو الساحة، من الوطني الحريص صاحب المشروع، وأغلب الشعب سيؤكد عدم وجوده، معمماً الفساد والكذب على كل موجود، رغم أن لغة التعميم لم تصب يوماً، فيصر المواطن على عدم نزاهة أحد، وينفي المصداقية عن جميع مَن حوله، وسبب ذلك هو انجراره نفسه، وراء الشعارات الرنانة الكاذبة، والنجاح المستمر لمحاولات خداعه.

أنا لا أُنكر وجود الصالح أبداً، فلا بد من مصلح في بيئة طالحة، وإن اشتد فيها الفساد والفجور، بل لا يمكن للمصلح العظيم أن يخرج إلا من خلال البيئة المفسدة؛ لأن عمل المصلح هو الإنقاذ من جرائم أضداده، وهكذا كانت بعثة الأنبياء والرسل والصالحين أن يكونوا هداة دعاةً للنور، بعد ما تمتلئ الأمم بما هو مظلم.

مصيبتنا الكبرى أن الشعب ما زال لا يميز بين الصالح والطالح، وكأن على أعينه غشاوة، وما زال ينقاد وراء كذب المفسدين، ظناً منه بصلاحهم، ويعادي المصلحين الحقيقيين، ظناً منه بفسادهم، ولو اطلع اطلاعاً صحيحاً، لميز جيداً بين صاحب المشروع وبين من يكتفي بالشعار.
لكن للأسف هذا الشعب يكره أن يطلع ويقرأ..

الشعب ما زال يسمي كلَّ من ينادي بالإصلاح مصلحاً، فيتبعه ويسير خلفه، لكنه لم يعِ أن النداء للإصلاح بلا عمل عليه، لا يسمى إصلاحاً أبداً، بل يسمى خداعاً.. هذا ما حدث في العراق بالآونة الأخيرة، صار كل مَن يخرج أمام جماهيره ويقول "نعم للإصلاح" صار بنظر الشعب مصلحاً، دون أن يقدم مشروعاً لذلك، أو حتى أن يخطو خطوة في ذلك.. "وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لَّا يَشْعُرُونَ".

هناك أيضاً مَن وقف ونادى بالإصلاح، ومحاربة الفساد وأهله أمام جماهيره؛ حتى قال إنها ستكون صولته القادمة، لكن هذا يختلف جذرياً عن غيره، فهو قد قدم مشروعاً لذلك، ووضع رؤية ومنهجاً واضحَين لأجله، فلا يسعى إلا أن يُتخذ مصلحاً حقيقياً، لكن الشعب حتى الآن لم يرَه، ولم يكلف نفسه للاطلاع على مشروعه، رغم الجهود التي تُبذل في سبيله، إلا القليل منهم.
وهذه الغشاوة هي مشكلتنا الأكبر، التي لولاها، "ما كان كل ما كان"!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد