هل ينقل “داعش” معاركه إلى جنوب شرق آسيا؟.. سعوديون ومغاربة ضمن مجموعة متشددة تسيطر على مدينة بالفلبين

عربي بوست
تم النشر: 2017/06/04 الساعة 07:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/06/04 الساعة 07:38 بتوقيت غرينتش

في بداية المعركة المستعرة منذ 12 يوماً في مدينة ماراوي في الطرف الجنوبي للفلبين اقتحم عشرات المسلحين الإسلاميين سجن المدينة وتغلبوا على حراسه.

وقالت فريدة علي المدير المساعد لهيئة السجون الإقليمية "قالوا 'سلموا المسيحيين'. ولم يكن عندنا سوى مسيحي واحد بين العاملين ولذلك دفعنا به بين المسجونين حتى لا يلحظه أحد".

هدد مقاتلون من جماعة ماوتي التي بايعت تنظيم "الدولة الإسلامية"(داعش) الحراس وصرخوا في السجناء لكن أحداً لم يسلم الرجل المسيحي لهم. وأضافت فريدة علي "عندما أفرجوا عن السجناء. خرج معهم حراً طليقاً".

كانت لحظة فرح قصيرة. غير أن المقاتلين سيطروا خلال الساعات القليلة التالية على معظم المدينة وهاجموا مركز الشرطة وسرقوا أسلحة وذخائر وأقاموا حواجز على الطرق وثبتوا قناصة على المباني الواقعة عند المداخل الرئيسية. وقد أدى الهجوم إلى مقتل حوالي 180 شخصاً وفرت الأغلبية العظمى من سكان ماراوي البالغ عددهم نحو 200 ألف نسمة.

قاعدة جديدة

ويمثل استيلاء مقاتلي ماوتي وحلفائهم على المدينة الواقعة في جزيرة مينداناو أكبر إنذار حتى الآن يشير إلى أن داعش يقيم قاعدة له في جنوب شرق آسيا وينقل الأساليب الوحشية التي شاهدها العالم في العراق وسوريا في السنوات الأخيرة إلى المنطقة.

وقال مسؤولون دفاعيون وحكوميون آخرون من المنطقة لرويترز إن الدلائل تتزايد على أن هذه مؤامرة معقدة لتجميع قوى من جماعات مختلفة من مؤيدي الدولة الإسلامية للسيطرة على ماراوي.

وسبب وجود أجانب في صفوف المقاتلين المحليين في ماراوي انزعاجاً بصفة خاصة للمسؤولين الأمنيين. وتقول مصادر استخباراتية إن بين المقاتلين متشددون من السعودية وباكستان والشيشان والمغرب.

ومنذ فترة من الوقت تشعر حكومات جنوب شرق آسيا بالقلق لما يحدث عندما يعود مقاتلون اكتسبوا خبرة قتالية في صفوف داعش إلى بلادهم مع تقهقر التنظيم في الشرق الأوسط. والآن أصبحت لدى هذه الحكومات هواجس جديدة عن تحول المنطقة إلى مركز جذب للمقاتلين الأجانب.

وقال هشام الدين حسين وزير الدفاع في ماليزيا "إذا لم نفعل شيئاً سيصبح لهم موطئ قدم في هذه المنطقة".

وقال مسؤولون بوزارة الدفاع وعسكريون في الفلبين إن الجماعات الأربع المؤيدة لداعش في البلاد أرسلت مقاتلين إلى ماراوي بهدف تحويل المدينة إلى ولاية تابعة للتنظيم في جنوب شرق آسيا.

فالمنطقة هي الوحيدة في هذا البلد الذي يغلب عليه المسيحيون الكاثوليك التي توجد بها أقلية مسلمة كبيرة كما أن المسلمين أغلبية في مدينة ماراوي نفسها.

ومن الصعب على الحكومة أن تمنع المتشددين من الوصول إلى مينداناوا من دول مثل ماليزيا وإندونيسيا بحراً في منطقة ينتشر فيها القراصنة وينعدم فيها القانون.

وقال مركز مكافحة الإرهاب الذي يتخذ من نيويورك مقراً له في تقرير الأسبوع الماضي إن داعش يتجه إلى الاستعانة بالجماعات المتشددة في جنوب شرق آسيا لتدعيم وجوده في المنطقة وتوسيعه. وأضاف المركز أن العامل الرئيسي سيتمثل في مدى نجاحه في إدارة العلاقات مع الحرس القديم من المتشددين في المنطقة.

عزل القائد

يعد الهجوم الذي شنته جماعة ماوتي أكبر تحد يواجهه الرئيس الفلبيني رودريجو دوتيرتي منذ توليه السلطة في يونيو/حزيران الماضي. وقد أعلن الأحكام العرفية في مينداناو التي تعد قاعدته السياسية.

وباغت الهجوم قوات دوتيرتي التي تواجه صعوبات في استعادة السيطرة على المدينة حيث ظلت حتى أمس السبت تكافح للقضاء على جيوب المقاومة فيها.

ويوم الإثنين الماضي صدر قرار بعزل البريجادير جنرال نيكسون فورتيس قائد لواء الجيش في ماراوي.

وقال متحدث باسم الجيش إن هذا القرار لا صلة له بالمعركة. غير أن مصدراً عسكرياً تحدث لرويترز شريطة إخفاء هويته قال يوم الجمعة إن عزل فورتيس يرجع إلى أن قواته لم تكن كلها في المدينة عندما بدأت عملية المهاجمين وذلك رغم أن معلومات الاستخبارات العسكرية كانت تشير إلى أن متطرفين إسلاميين يتجمعون في المنطقة.

وجاء الهجوم بعد شهور فحسب من مهاجمة قوات الأمن للمخبأ الجبلي الذي يختبئ فيه إسنيلون هابيلون أحد القادة القدامى بجماعة أبو سياف الإسلامية المتطرفة التي اشتهرت بعمليات الخطف.

وكان هابيلون بايع داعش عام 2014 وسرعان ما أقنع جماعات أخرى بالانضمام إليه. وكان من أبرز تلك الجماعات جماعة ماوتي التي يديرها الشقيقان عمر وعبدالله ماوتي اللذان ينتميان إلى أسرة معروفة في ماراوي.

وفي مقطع فيديو ظهر في يونيو/حزيران الماضي أطلق أحد قادة الجماعة دعوة من سوريا لأتباعه في المنطقة للانضمام إلى هابيلون إذا لم يستطيعوا السفر إلى الشرق الأوسط. واختير هابيلون زعيماً للدولة الإسلامية في جنوب شرق آسيا العام الماضي.

وقال الجيش الفلبيني إن هابيلون أصيب على الأرجح بجروح في الغارات لكنه نجح في الهروب إلى ماراوي حيث انضم لجماعة ماوتي.

ويقول بيان نشر على قناة يستخدمها مقاتلو ماوتي على وسائل التواصل الاجتماعي إن الجماعة تريد تطهير ماراوي من المسيحيين والمسلمين الشيعة ومن المشركين. كما أنها تريد أيضاً منع الرهانات والكاريوكي واللقاءات بين الجنسين.

المخابئ الجبلية

قال بعض المسؤولين إن قوات الأمن الفلبينية تراخت في مواجهة خطر داعش بعد الغارات التي شنتها في يناير/كانون الثاني.

وقال وزير الدفاع الفلبيني ديلفين لورينزانا للصحفيين "لم نلحظ أنهم تسللوا إلى ماراوي لأننا نركز على مخابئهم الجبلية".

وقالت مصادر بأجهزة المخابرات الفلبينية والإندونيسية إن قوات هابيلون زادت أعدادها خلال الأشهر القليلة الماضية بانضمام مقاتلين أجانب ومجندين جدد من داخل ماراوي إلى صفوفها.

وقال اللفتنانت كولونيل جو-ار هيريرا المتحدث باسم الجيش الفلبيني إن كثيرين من الأجانب جاؤوا إلى ماراوي تحت ستار مهرجان إسلامي عقد في المدينة الشهر الماضي.

وقال لورينزانا إن هابيلون جلب معه ما بين 50 و100 مقاتل للانضمام إلى ما بين 250 و300 رجل في حين أحضرت جماعتان أخريان هما جماعة مقاتلي بانجسامورو الإسلاميين من أجل الحرية وجماعة أنصار الخلافة في الفلبين ما لا يقل عن 40 مقاتلاً معهم.

وفي يوم 23 مايو/أيار وقبل أيام من بدء شهر رمضان شن المقاتلون هجومهم عندما قامت القوات الفلبينية بمحاولة فاشلة للإمساك بهابيلون داخل ماراوي.

وبعد تراجع قوات الجيش في مواجهة كتيبة من الحرس المسلح انتشر حوالي 400 متشدد بسرعة في مختلف أنحاء المدينة بشاحنات مركب عليها مدافع رشاشة ثقيلة ومسلحين بقذائف صاروخية وبنادق هجومية.

وفي غضون ساعات هاجموا السجن ومركز الشرطة القريب منه واستولوا على أسلحة وذخائر وذلك حسب ما رواه السكان.

وسويت دانسالان كوليدج وهي مؤسسة بروتستناتية وكاتدرائية ماريا أوكزيليادورا الكاثوليكية بالأرض وتم احتجاز كاهن وأكثر من عشرة آخرين من رعايا كنيسته ومازالوا رهائن.

كما دمر المهاجمون مسجداً شيعياً وفصلوا رأس تمثال خوسيه ريزال البطل الفلبيني في الانتفاضة على الحكم الأسباني.

قناصة على الأسطح

قال هيريرا إن الهجوم يحمل علامات عملية عسكرية ينفذها محترفون مضيفاً "كانت هناك خطة كبرى ضخمة للاستيلاء على ماراوي كلها".

وبعد المعركة الأولى رفرفت أعلام لتنظيم الدولة الإسلامية في المدينة وجاب مقاتلون ملثمون الشوارع معلنين أن ماراوي أصبحت لهم واستخدموا مكبرات صوت في حث السكان على الانضمام إليهم كما سلموا أسلحة لمن انضم إليهم على حد قول السكان.

وأشرك الجيش في المعركة طائرات هليكوبتر أطلقت صواريخها على مواقع للمتشددين في الوقت الذي بدأت فيه قوات برية استعادة جسور ومبان رئيسية رغم أن بعض السكان قالوا إن ذلك أدى إلى سقوط ضحايا بين المدنيين.

وقالت امرأة حامل في التاسعة والعشرين من عمرها اسمها أميرة داجالانجيت في مركز إخلاء بالقرب من ماراوي إن رجال التنظيم "كانوا يجرون في الشوارع للفرار" من قصف الجيش.

وأضافت أن طائرات الجيش كانت تقصف مقاتلي التنظيم في الشارع لكنها "أصابت منزلنا والمسجد. ومنازل أخرى كثيرة أيضاً".

وأضافت "كثيرون ماتوا عندما انفجرت القنبلة" وأضافت أن من بين القتلى إمام مسلم وأطفال.

وقال المسؤولون العسكريون أنهم لم يتلقوا أي تقرير عن هذا الحادث. ولم تستطع رويترز التحقق من صحة هذه الرواية.

وكان الجيش قال إن 20 مدنياً قتلوا في الاشتباكات كلهم على أيدي المتشددين. كما قال إن 120 مسلحاً و38 من رجال الأمن قتلوا في المعارك من بينهم عشرة جنود ماتوا بنيران صديقة في غارة جوية.

"الناس سيتعرضون للقتل"

يشعر مسؤولون في إندونيسيا بالقلق خشية أن يظل الخطر داهماً حتى إذا نجح الفلبينيون في الأيام المقبلة في استعادة ماراوي.

وقال مسؤول إندونيسي في أجهزة مكافحة الإرهاب مشيراً إلى أن مينداناو لا تبعد كثيراً عن جزيرة سولاويزي الإندونيسية "نخشى أن يأتوا إلى هنا".

ولا يزال أكثر من 2000 شخص محصورين في وسط ماراوي دون كهرباء وبموارد محدودة من الغذاء والماء. وبعضهم لا يستطيع الحركة بسبب النيران المتبادلة بين الجانبين بينما يخشى آخرون أن يعترض المتشددون طريقهم أثناء الهرب.

وعثرت السلطات في أحد الأودية خارج ماراوي يوم الأحد الماضي على جثث ثمانية عمال أطلق الرصاص على رؤوسهم. وقالت الشرطة إن المتشددين أوقفوهم أثناء هروبهم من المدينة.

كما قال الجيش إن ضحايا آخرين سيسقطون على الأرجح في استعادة المدينة.

وقال هيريرا المتحدث باسم الجيش "نحن نتوقع أن يجوع الناس ويتعرضوا للأذى بل والقتل. ففي هذا النوع من العمليات لا تستطيع ضمان عدم حدوث خسائر غير مقصودة".

تحميل المزيد