علمونا في المدارس أن العرب إخوة، وعشنا أعواماً مع هذه الذكرى، حتى جاءت النكبة، فبحثنا عن الإخوة دون جدوى، أعطيناهم العذر لعلهم يذخرون جهداً لأمرٍ أشد وأقوى، فأقبلت علينا الأيامُ المرة، واحداً تلو الآخر، وما زلنا ننتظر النخوة؛ لندرك أخيراً أن ليس لِنُصرتِنا رغبة، ولا نحنُ في الحسبة حين تناثرت أجسادنا بقنابلهم التي نهشت اللُّحمة، فمن قال إن العرب إخوة، بعد أن خدعونا بشعارات تبين أنها كِذبة، وهل أنا ملزمٌ لأجامل كل هفوةٍ وكبوة، ولربما سيستهجن البعض هذه الدعوة، وسيرى فيها أنها تحريضٌ دون جدوى، سأكسر القيد تمرداً وأعلنها توبة، فلن أعيش بعد اليوم معتوهاً راجياً من الصماء نجدةً بفتوى.
لم أقل ما قلت عن موقفٍ أو نزعة كره شخصية، بل هو واقعٌ لأمةٍ اختارت أن تنتحر شنقاً بجدائل شعرها فوق منصة البؤس المبنية، وليجرب أحدنا أن يتحدث عن الأخوة العربية أمام أي فرد في مجتمعاتنا المنسية، ستراه يضحك ساخراً بابتسامةٍ ذات نكهة بطعم من الخجل وعيونه مدمية، فعن أي أخوةٍ تتحدثون، وكم منا لفلسطين المسلوبةِ بات يتذكرون، شُطِب المقدس وأرضه من البيانات حين يستنكر ويشجب من في القمم يجتمعون، فهي كالغصة في أفواههم إن أرادوا يتحدثون وأمام أنظارهم عروشهم تتراءى خشية عنها أن يهووا، فتخلى عن ثالث الحرمين من كانوا يدعون أنهم له ناصرون، وتُرِك أهلُ الرباط لوحدهم بحجارتهم يرمون منتفضون.
عن أي أخوة عربٍ تتحدثون، وأطفال بعمر الزهور بعضهم يتاجرون، من بين أحضان أمهاتهم يُسرقون لأنهم فقط نازحون لاجئون، إذن هم مسترخصون، ومن بقي منهم أحياء يتنفسون، فإما مشردون أو تحت أنقاض منازلهم يحتضرون، سوريون عراقيون يمنيون، شعوبٌ للموت السريع أصبحوا يتمنون، ومن في الأبراج يسكنون غير مبالين ينظرون، الأمر لا يعنيهم فهم مترفون لحب الدنيا عاشقون، ويا ليت لو عنا أيديهم يكفون، يمتنعون عن دعم مَن لنا يقتلون، بذريعة الحرب على الإرهاب يتبجحون، ويحكُم كيف تحكمون على المنصات تخطبون بأنكم معنا متعاطفون،
وغدر خناجركم بخاصرتنا تغرزون، ولسيل دمانا تتوجسون، عنها تبتعدون تتنجسون، خشية من لوثةٍ على أثوابكم البيضاء تفرون، فيتعكر مزاجكم وتنزعجون، تباً لكم ما أنتم فاعلون حين تسألون، عن أنين أطفال يصرخون يتألمون، وآباءٍ ونساءٍ لأبنائهم كل يومٍ يثكلون في الحدائق يدفنون، فهم مكرهون ملاحقون بين قناصة لداعش لكل سائر متربصون يقتلون، أو طائرات التحالف الدولي من قواعد عربية عليهم يغيرون يقصفون، ومن يسقط بيد ميليشيات إيرانية عنه لا تسألون، ففوق الأجساد صُب النفط واحتفل حول لهيب ناره الحارقون، أباحوا القتل باسم الثأر ومجازر لكل مخالف لهم يومياً هم يرتكبون، لا سائل عمن فقد أثره ولا رافض فالكلُ صامتون، ولم تحرك مشاعرهم وتستفزهم صرخة معتصماه حين يقرأون ما دونه في التاريخ المؤرشفون.
وبعد كل هذا يقولون: إن العرب إخوة ومَن ينكر ويعاتب فهو من المنافقين الحاقدين.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.