ماذا يعني للعراق تقدم السعودية خطوة على إيران في ساحة العلاقات الدوليّة، بعد أن اختار ترامب أن تكون الرياض مكاناً لعقد أعظم صفقات الولايات المتحدة في التاريخ الحديث؟
العراق بعد عام 2003 مر بمرحلتين؛ الأولى في عهد الرئيس بوش الابن الذي وجّه السياسة الأميركية نحو إزاحة نظام البعث ورموزه ومؤسساته، وتمكين الحلفاء من المعارضة العراقية والمؤمنين بالتغيير من الحكم والإدارة عبر وسائل الديمقراطية، والتواجد المباشر على الأرض لمكافحة الإرهاب والجماعات المسلحة خارج إطار قانون الدولة، والمرحلة الثانية تمثلت بالسياسة الأميركية خلال عهد أوباما، وخاصة الأربع سنوات الأخيرة كانت معنية بترسيخ قضايا الديمقراطية ووسائلها، وحقوق الإنسان، ومكافحة الإرهاب بطرق غير مباشرة، بتقديم الدعم اللوجستي، والمشورة العسكرية والأمنية والسياسية.
وفي عهد ترامب وحدها هي المصالح الأميركية "أميركا أولاً" ستكون البوصلة التي توجه سياسة ترامب الخارجية، ولن يكون هناك جانب دبلوماسي أو ثوابت مبدئية عرفية أو أخلاقية، سوى ما يتعلق باستهداف بؤر التطرف العنيف "السني والشيعي".
باتت داعش لا تقلق العراق ولا أي تنظيم مسلح متطرّف، ولا حتى العشائر المسلحة في الوسط والجنوب، بطبيعة الحال العراق كله يقلقه ارتفاع سقف مطالب بعض الفصائل الشيعية المسلحة، كون البعض منها مختلفاً مع الحكومة في تفاصيل كبيرة، منها سياسيّة وأمنية، وأيضاً هناك من ينتمي منهم لمحور ينفذ عمليات مسلحة عابرة للحدود العراقية، وهذا ما يحرج الحكومة العراقية على الصعيد الدولي والإقليمي والمحلي.
سياسة حكومة الدكتور العبادي تعتمد على منهجية الاحتواء والتكيّف مع المحاور الدولية الكبرى، والمسايرة مع المحاور الإقليمية ودول الجوار، دون أن يرتَّب على العراق التزام بموالاة أحد المحاور على حسب الآخر، وبالتالي لا أحد يجبره على إعلان العداوة للآخر، وهذا فعلاً ما يحتاجه العراق وهو العلاج المؤقت الصحيح، خاصة في وقت انعدام السيادة بسبب تدخلات تلك القوى في شؤون العراق، واحتدام الصراع بين المحاور الكبرى والتناقض في المصالح.
منهجية العبادي في البعد عن التحالفات التي قد تشوه ما تبقى من صورة العراق في الغرب، أو قد تسبب تصدعات وحروباً داخلية وفوضى طائفية أو قومية تخلط الأوراق في وقت الحاجة الماسة لتماسك تلك الجبهة بالضد من داعش وأنصارها.
بهذه المنهجية الثابتة، أضحت سياسة العبادي ميزة إقليمية تحسن الرياض وطهران وأنقرة فهمها، ومن لم يستوعبها المتخابرون الصغار مع تلك الدول من الأحزاب السياسية والدينية والعشائرية، ولا يمكن لحكومة العبادي أن تثق بمحور معين بسبب البراغماتية المعلنة في العلاقات الدولية، ومن المصلحة احتواء ومسايرة الأقوياء لتحصيل مساعدات عسكرية واقتصادية ومواقف سياسية.
محاولات وفرصة كبيرة لإرجاع العراق للتقارب مع محيطه العربي، يأتي ذلك ضمن استراتيجية المحور الأميركي – السني، ولهذا تختلق الأحزاب الشيعية العراقية المرتبطة بمحور إيران قضايا وأزمات لمنع هذا التقارب وفرض مصالحهم الحزبية على الحكومة العراقية، وبطرق بعضها سياسي قانوني، والبعض الآخر غير سياسي، وخارج القانون، وأعراف الاعتراض.
يحاول العرب السنَّة التقربَ من أميركا بشكل أكبر، وربح مواقفها الداعمة لتحجيم إيران وحلفائها في المنطقة لحل مشاكل سوريا واليمن والعراق ولبنان، والمتمثلة في انتشار الفصائل المسلحة الشيعية المموّلة من إيران، آخذين بعين الاعتبار توجه ترامب الداعي إلى توصيف إيران بـ"رأس حربة الإرهاب" الذي يهدد الأمن والاستقرار بالمنطقة، فضلاً عن رغبة السنة في العالم الإسلامي في تطابق عناصر السياسة الخارجيّة في بلدانهم مع أميركا.
لا شك أن إيران قلقة جداً فهناك حشد من قرابة 55 دولة في تحالف جيواستراتيجي بالضد منها، وهي ترصد وتراقب كل من شارك في هذه القمة السنية الإسلامية – الأميركية، وأيضاً تتابع الشيعة العروبيين أيهم يقفز إلى صف هذا التحالف، ومن هو أول الملتحقين.
هذه القمة إذا تم لها النجاح بتحقيق أهدافها سوف تكون البوابة الرئيسية في تعزيز الروابط السياسية والاقتصادية والتجارية والعسكرية بين السعودية وحلفائها من جهة، وبين القوة الاقتصادية والعسكرية الأولى في العالم (أميركا)، التحالف الجاد مع أميركا سيكون صمام أمان للاستقرار في المنطقة؛ لأن التعويل على علاقة استراتيجية خليجية لمواجهة إيران بدون أميركا لن يحقق أهداف الخليج الاقتصادية والسياسية، ولا يخدم الديموغرافية السياسية للمنطقة، التي تقع تحت طائلة تهديدات إيرانية كثيرة منذ عام 2003 ولغاية اليوم.
التهديد المباشر والواضح لإيران تمثل بإعلان الرياض في تشكيل قود من 34 ألف جندي لمحاربة الإرهاب في العراق وسوريا عند الحاجة، وقيام تحالف الشرق الأوسط رسمياً العام المقبل.
زيارة ترامب للسعودية مدروسة بعناية، وهي لتجديد العلاقات السعودية – الأميركية بعد الفتور الذي عاشته في عهد أوباما، وهي فرصة للقيام بمحاولة إقناع ترامب وفريقه بضرر قانون جاستا على علاقاتهما، والعمل من أجل تعديله بما يمنع تأثيره السلبي على الاقتصاد السعودي.. وأيضاً عملية نزع مخالب إيران، المتواجدة في اليمن وسوريا والعراق، ولمنع تصاعد الخطابات والردود بشأن مفاعلات طهران النووية، التي قد تتجرأ إسرائيل وتدمرها وباتفاق مع أميركا وروسيا، كما حدث مع المفاعل النووي العراقي عام 1981، وبالتالي من الصعب تخمين ردة فعل إيران وحلفائها في المنطقة.
واشنطن وموسكو والرياض وطهران وأنقرة كلها متفقة على أنه دون عودة الاستقرار للعراق وسوريا واليمن سيكون من الصعب على جميع المحاور والتحالفات رسم أي خارطة طريق لاستقرار العالم مهما وفّروا لها من أموال ودعم.
ومشروع فرض الاستقرار في المنطقة ينبغي أن يبدأ من العراق الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى من هزيمة داعش عسكرياً في كل جغرافية العراق، بخلاف سوريا واليمن، فالوقت معهم طويل، والحلول هنالك تحتاج إلى صبر استراتيجي.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.