تباينت الآراء في وثيقة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي أطلقتها أواخر الشهر الماضي وجدّدت بها وثيقتها القديمة التي مضى عليها حوالي عقدين من الزمان؛ حيث اعتبر مراقبون أن ما تضمنته الوثيقة الجديدة من قبول بدولة كاملة السيادة، وعاصمتها القدس المحتلة على حدود عام 1967 هو بمثابة تحوّل كبير في مبادئها ونهجها بصورة تجعل من حماس (مقبولة) في المجتمع الدولي الذي – ربما – بقراءته للبنود الـ"42″ الواردة في الوثيقة الجديدة قد يعتبرها أكثر اعتدالاً من السابق، وأقرب للبعد عن فكرة الجهاد والمقاومة، وأنها ستتحوّل إلى صفّ المفاوضات مع الكيان الصهيوني وما يتبع ذلك من اعتراف علني أو ضمني بوجود الدولة الإسرائيلية.
وبالرغم من أن نصوص الوثيقة كانت واضحة فيما يتعلق باستمرار مقاومة الاحتلال وتحرير كامل التراب الفلسطيني، بما فيها القدس وعودة النازحين والأسرى، وما إلى ذلك من قضايا هامة في الشأن الفلسطيني تشكّل في مجموعها مفاصل رئيسية انطلقت منها حركة حماس منذ نشأتها واستقطبت بسببها جماهير واسعة، متعاطفة ومؤيدة لها، سواء داخل فلسطين أو خارجها؛ بالرغم من كل هذا الوضوح في هذه الوثيقة، فإن الجدل والانقسام حولها قد احتدم، فمنهم من رأى فيها صموداً وعدم تغيير في مبادئ حماس ومواقفها، ومنهم من استشفّ منها تنازلات عن ثوابت وتحوّلات قد تجعل منها شبيهاً لحركة فتح التي كانت انطلاقتها لتحرير فلسطين ومقاومة الاحتلال قبل أن يدور الزمان عليها فيكون مآلها مثلما ترون وتشاهدون من استسلام وتخلّ كامل عن خيارات المقاومة والتحرير.
وما بين مؤيدين ومعترضين على وثيقة حماس ظهرت أصناف عديدة من الرؤى والكتابات بشأنها، بعضهم شامتون ومبشرون بعجز حماس وفشلها وانكسار شوكتها التي ظلت أبيّة في خاصرة العدو الصهيوني، وعصيّة في مقاومتها لكل مشروعات الإذلال والتبعية.
ومنهم مخلصون أبدوا تخوّفهم على حماس باعتبارها مشروع المقاومة الوحيد في فلسطين، مشروع سجّل بطولات مبهرة تجاه عمليات هجوم وغزو صهيوني متعددة لم تستطع النيل من قطاع غزة الذي تديره حماس وسط حصار إقليمي ودولي بالبر والبحر والجو مستمر منذ أكثر من عشر سنوات حتى الآن، قلّ مثيله في العصر الحالي، وبالتالي عبّروا عن خوف مبرّر على انحسار أو انهيار روح المقاومة التي قادت حماس – بشكل وحيد – جذوتها، على الأخصّ خلال العقدين الماضيين.
ولكن قيادات حماس اعتبرت هذا التباين في الآراء والاختلاف والتجاذب في وجهات النظر بشأن ميثاقها الجديد أمراً طبيعياً، يعبّر عن حالة صحية مفترضة تجاه إرث فكري وعسكري أسسته حركتهم ونالت وجودها وشعبيتها بسببه، وأيضاً التزمت شيئاً من الصمت تجاه كثرة من الانتقادات التي تم توجيهها للميثاق الجديد مع أنهم يؤكدون أنه لا تغيير فيها عن ثوابتهم، ولا حياد عنها؛ بل إن خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس (سابقاً) علّق على منتقديه قائلاً: "ليقبل الصهاينة بالوثيقة أولاً، ثم تعالوا نتناقش في محتواها"، في إشارة منه إلى ثبات وصمود مواقف حماس وعدم تغيّرها.
وبالفعل نشر في السابع من الشهر الحالي المتحدث باسم رئيس الوزراء الصهيوني للإعلام العربي، أوفير جندلمان، مقطع فيديو عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" لرئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو وهو يتكلم فيه عن الوثيقة الجديدة لحماس، ومما قاله في هذا المقطع المصوّر "إن وثيقة حماس تنصّ على أنه ليس لإسرائيل أي حق في الوجود، وتنصّ أنه كل سنتيمتر من أرضنا يعود للفلسطينيين، وتنصّ على أنه لا حلّ مقبول إلا بزوال إسرائيل"، ثم يمسك نتنياهو الوثيقة ويتساءل قائلاً: "ماذا يجب العمل بوثيقة حماس الجديدة؟"، ثم يمزّقها ويلقيها في سلة الزبالة، مبيناً: هذا ما يجب أن نفعله بوثيقة حماس!
وأعتقد أن كلام وتصرّف رئيس وزراء الكيان الصهيوني قد وضع حدّاً لكل الجدل والتكهنات التي نشأت في أعقاب إعلان حركة حماس وثيقتها الجديد، وبيّن لهم في مقطعه المصّور الذي بثّه ديوانه أن حماس هي هي، لم تتغير، وأنها باقية على عهدها.. وقديماً قيل "إن الحقّ هو ما شهدت به الأعداء".
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.