لا مزيد من الصراخ في العالم الإسلامي

إن السلام في واقع الأمر هو شيء يمكن تحقيقه بسهولة عند تبني النوعية الصحيحة من السياسات، كما أن أهم جزء في هذه العملية هو امتلاك النية الطيبة وعدم السعي وراء المصالح القومية؛ لأن المصالح الشخصية لكلا الطرفين لا يمكن أن تتأتى بينما يبتلع أحد الطرفين الطرف الآخر، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى القتال.

عربي بوست
تم النشر: 2017/05/06 الساعة 14:12 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/05/06 الساعة 14:12 بتوقيت غرينتش

أينما نُولي انتباهنا، فلا محيص من أن نجد أنفسنا عند نقطة ما في مواجهة مباشرة مع شكل من أشكال الصراع في الشرق الأوسط. وحتى تركيا، التي تبنَّت سياسة صفرية المشكلات مع جيرانها، تورَّطت في النهاية بالدخول في خلافات مع العديد من الدول المجاورة. ورغم الحقيقة التي تقول إن تركيا عقدت اتفاقات مع بعضها، فقد تسبَّب اختلال الموازين في سوريا في أن يجعل العلاقات مع دول أخرى ليست يسيرة، كما أنها محفوفة بالمخاطر من الناحية العملية. ولكي توفِّر الأمن والرفاه للبلاد، بادرت تركيا بعمليات "درع الفرات" التي استمرَّت لسبعة أشهر. ويكمن أبرز إنجاز في استعادة مدينة الباب من أيدي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وإقامة منطقة آمنة حول جرابلس.

يكمن أنجع الحلول في هذه المنطقة الممتلئة بالصراعات في سلمية العلاقات بين الدول. وقد صارت كل من روسيا وتركيا وإيران على درجة كافية من الحكمة، مكَّنتها من استيعاب هذه الحقيقة، لتشكل بدورها تحالفاً من أجل وقف إراقة الدماء في سوريا. فمن خلال هذا التحالف، اتُّخذت أولى الخطوات نحو السلام في المنطقة. وفي قمة موسكو أدركت الدول الثلاث أن الحل في سوريا لا يمكن أن يأتي عبر الوسائل العسكرية، بل عبر الدبلوماسية والتحالف؛ إذ إن هذه النظرة غير صالحة ليست لسوريا فحسب، بل لجميع الحروب المستمرة منذ اندلاع الصراعات نتيجة للخلافات بين الأطراف. وحتى إن كان الجميع يعرفون أن الخلافات لا يمكن أن تنقضي بالوسائل العسكرية، فلا يزال البعض يلجأون إلى السلاح. يقتل المسلمون مسلمين آخرين بذريعة الحرب، إما بإيعاز من الغرب أو بتورطه المباشر.

يُذكِّرني هذا العنف المستمر بصامويل هتنغتون، المعروف بنظرياته المسماة "صراع الحضارات" و"عصر حروب المسلمين". كان الهدف الرئيس وراء حججه منع أي تعاون أو وحدة بين الدول الإسلامية. فوفقاً لهتنغتون، تُعتبر الحروب في القرن الحادي والعشرين هي النتيجة التي لا مفرَّ منها بسبب جدليات التاريخ. ولذا، إن كانت الحرب حتمية علمية فينبغي إذن على الدول ألا تحاول منعها، بل عليها أن تستفيد من ورائها قدر المستطاع، وقد أدى هذا الرأي إلى موت ملايين من الأبرياء.

على سبيل المثال، يُشبِه الموقفُ في العراق -على أقل تقدير- الموقفَ في سوريا، إن لم يكن أسوأ منه. فقد صارت منطقة حرب منذ الغزو الأميركي عام 2003، الذي افترض خطأً امتلاكَ العراق أسلحة دمار شامل، وأنها كانت تشكل تهديداً عالمياً وشيكاً، وهو الاتهام الذي ثبت لاحقاً أنه اتهام مُختلق.

وكانت هذه المعلومات الخاطئة قد تأكَّدت عن طريق رئيس الوزراء البريطاني آنذاك، توني بلير، استناداً إلى ما يُسمَّى معلومات استخباراتية قدمها جهاز الاستخبارات البريطاني. وقد سُلّط الضوء على هذا الأمر من خلال تقرير تشيلكوت الذي أصدرته مؤخراً لجنة التحقيق الرسمية المكلفة من قبل البرلمان البريطاني. حينها فقط اعتذر توني بلير على المعلومات الاستخباراتية الخاطئة بعد إصدار هذا التقرير.

بيد أن الدمار كان قد حلَّ، ومرة أخرى صار معه سكان دولة إسلامية أخرى يعانون معاناة شديدة. يتسبب التهديد الداعشي، الذي انتشر أيضاً في العراق في انتشار الإرهاب داخل البلاد منذ فترة طويلة، ومن أجل مجابهة هذه المنظمة الإرهابية، بدأ الجيش العراقي عملية الموصل التي توقَّفت مؤخراً.

جلبت كلُّ هذه الصراعات معها القضية العالمية الكارثية الأساسية لكل الأوقات: إنها أزمة اللاجئين، فرغم أن الدول المجاورة مثل تركيا، ولبنان، والأردن، استقبلت بأذرع مفتوحة اللاجئين الهاربين من مناطق الحروب، فإن بعض الدول الأوروبية منعت دخولهم من خلال إقامة الجدران أو الأسلاك الشائكة على حدودها. وفي الوقت الحالي تفصل الجدران العالية بين الناس في 65 بلداً.

ينبغي أن تتذكر نفس القارة الأوروبية، التي تستنكر هروب اللاجئين من فوضى الحرب الأهلية في سوريا، أن الأوروبيين أنفسهم كانوا منذ زمن ليس ببعيد لاجئين يهربون من الدمار الذي أحدثته الحرب العالمية الثانية. فقد ولَّدت هذه الحرب أسوأ كارثة إنسانية عَرَفها التاريخ الأوروبي، ويبدو الآن أن هذه الحقيقة المؤسفة صارت في طيِّ النسيان لدى عدد ليس بقليل. على سبيل المثال، بدلاً من إمداد اللاجئين بالمساعدات، استمرَّت الحكومة المجرية في معاملتها اللاإنسانية للاجئين، عن طريق نشر صائدين وحاويات لاحتجاز اللاجئين.

ويكمن السبب الأساسي لمثل هذه النتائج السلبية -التي وصفناها بضرب أمثلة قليلة- في حالة الفُرقة التي تصيب العالم الإسلامي. رغم هذا، لا يجب أن تستمر هذه السلبية لأن هذا العصر هو عصر التعاون، وقد شهدنا كيف يمكن للوحدة أن تحلَّ أعتى المواقف التي تبدو غير قابلة للحل. بالإضافة إلى أن هذه الوحدة سوف تكون مختلفة عن أشكال الوحدة الموجودة حالياً، ولن تكون قائمة على المصالح العسكرية والقومية والاقتصادية وحسب. سوف تتقابل جراء أقل القواسم المشتركة عند اتخاذ القرار، سوف يفضل كل شخص ما يحتاجه الطرف الآخر حتى إن تعارض مع مصالحه الشخصية. وحينئذ سوف يدرك مَن يُقدِّم التضحية عن قريب أن الآخر سوف يقابله بنفس المعاملة.

إن السلام في واقع الأمر هو شيء يمكن تحقيقه بسهولة عند تبني النوعية الصحيحة من السياسات، كما أن أهم جزء في هذه العملية هو امتلاك النية الطيبة وعدم السعي وراء المصالح القومية؛ لأن المصالح الشخصية لكلا الطرفين لا يمكن أن تتأتى بينما يبتلع أحد الطرفين الطرف الآخر، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى القتال. لذا، ينبغي على القادة أن يعاملوا بعضهم باحترام وتعاطف وتضحية، وأن ينحّوا جانباً المصالح الشخصية أو الأنانية.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد