أنا امرأة حديدية!

هل من الممكن أن نكون نساء حديديات؟ عندما تم الزج بنا كنساء في معارك الكمال والحصول على كل شيء تحت كل الضغوطات؛ لنحقق التوقعات المطلوبة منا لنكون نساء حديديات، مع أنه من المستحيل نظرياً أو عملياً أن تستطيع امرأة أن تعمل لمدة ٦٠ ساعة أسبوعياً في عمل يتطلب ضغطاً عالياً، وتكون بنفس الوقت تلك الأم وربة المنزل المثالية.

عربي بوست
تم النشر: 2017/05/04 الساعة 04:39 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/05/04 الساعة 04:39 بتوقيت غرينتش

هل من الممكن أن نكون نساء حديديات؟ عندما تم الزج بنا كنساء في معارك الكمال والحصول على كل شيء تحت كل الضغوطات؛ لنحقق التوقعات المطلوبة منا لنكون نساء حديديات، مع أنه من المستحيل نظرياً أو عملياً أن تستطيع امرأة أن تعمل لمدة ٦٠ ساعة أسبوعياً في عمل يتطلب ضغطاً عالياً، وتكون بنفس الوقت تلك الأم وربة المنزل المثالية.

كيف لها أن تحاول إنقاذ العالم، وأن تحافظ على شكلها كعارضة أزياء بعمر العشرين بنفس الوقت، ثم تقوم بتجهيز المحاشي وخبز الفطائر، ليلة تحضيرها لعرض تقديمي هام جداً في عملها المهني؟ حتى الرجل لا يستطيع فعل ذلك، ولا أي إنسان! ومع هذا لا تزال النساء يشعرن بالإخفاق، وتحمّل المرأة نفسها مسؤولية أنها لم تستطِع فعل كل ذلك بإتقان وتوازن كما هو متوقع منها أو كما هي تريد.

إن أجيالنا الحالية اقترفت خطأ، وهو أنها حملت على عاتق المرأة -برضاها- كل ترسبات الماضي الظالمة في حقها وأضافت إليها كل عدم واقعية حركات تحرير المرأة العصرية.

فقد ظُلمت المرأة عندما تم إجبارها ضمنياً على أشغال المنزل، وهي غير واجبة عليها حتى شرعاً، فيكفي المرأة شرف وجهد الحمل والولادة، وهي من أنبل الوظائف، لحفظ النوع الإنساني، فما بالك بالرضاعة والسهر والتربية وتحمل المسؤولية! فليس للزوج على زوجته حق الطاعة فيما يختص بخدمته في البيت. وهذا هو رأي جمهور العلماء، أي أنه ليس واجباً على المرأة أن تخدم زوجها وأولادهما في المنزل، وهذا يشمل الطبخ والغسيل والتنظيف وإعداد الطعام، وهذا رأي الحنابلة والأحناف والشافعية في كلا حالتَي الإعسار والإيسار، أي إن كان معسراً لا يستطيع الإتيان بخادم أو موسر. أما المالكية فقالوا تجب عليها الخدمة في البيت في حال إعسار الزوج. أما إن كان موسراً يستطيع الإتيان بخادم فليس يجب عليها ذلك، وإن خدمت فهو تفضل منها ورغبة وحباً في لمّ شمل المنزل والعناية به.

وحتى ابن حزم الذي زاد بأن قال بأنه يجب على الزوج أن يحضر كسوة الزوجة مخيطة، فقط تلبسها، فإن أحضر لها قماشاً عليها خياطته لتلبسه فهي ليست كسوة. ويجب عليه إحضار رزقها أي الطعام مطبوخاً، وليس نيئاً ويطلب منها أن تطبخه، وإلا فهو ليس بالرزق المقصود شرعاً. فالرزق ما كان معداً للأكل مباشرة. وهذا من المنطق؛ حيث لم يعد هناك أحد الآن يخيط ملابسه فلماذا ما زال على المرأة أن تطبخ؟
ثم قامت حركات تحرير المرأة ومجتمعاتنا بإجبار المرأة مرة أخرى ضمنياً بالعمل خارج المنزل لتحقق ذاتها وتشارك في نهضة المجتمع؛ لأنها اعتبرتها عاطلة في المنزل، ولتحقق النجاح وتشعر بالسعادة والإنجاز، دون أن يُحلّلوها مما أوجبوه عليها في المنزل. فظلموها مرتين!

لذا أقول لكل امرأة: لقد خلقك الله حرة، ويجب أن تؤمني بذلك، لكن إن أردت الحرية عليك أن تكوني حرة في كل أفعالك وقراراتك؛ لأن الحرية الحقيقية تكون شاملة كاملة لا تتجزأ، فلا يعقل أن تكوني حرة في مكان وموقف، ومقيدة في مكان وموقف آخر، في نفس الوقت.

فإن أردت أن تُمضي يومك وأنت تلفّين ورق العنب، فلتفعلي ذلك، لا لأنك مجبورة، بل لأنك تحبين الطبخ. وإن كنت تودين العمل خارج المنزل كطبيبة أو محامية أو معلمة أو في أي وظيفة أخرى، فلتفعلي ذلك إن كنت تحبين هذا العمل حقاً، فأنت حرة، لكن لا تعملي لأنك تودين مجاراة صديقاتك العاملات، أو لتثبتي نفسك للمجتمع كي يراك أو يحترمك، أو لتهربي من جحيم تعيشينه في منزلك، إلا إن كنت مضطرة للعمل لتعيلي عائلتك، وهنا يسقط حق القوامة بمفهومه الاصطلاحي الحالي للرجل.

فكما يقول د. محمد عمارة في كتابه: التحرير الإسلامي للمرأة: لقد ربط القرآن القوامة والقيادة بالمؤهلات والعطاء، وليس بمجرد (الجنس) فقال: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء)، وليس كل رجل قوّاماً على كل امرأة؛ لأن إمكانات القوامة معهودة في الجملة والغالب لدى الرجال، فإذا تخلفت هذه الإمكانات عند واحد من الرجال، كان الباب مفتوحاً أمام الزوجة – إذ امتلكت من هذه المقومات أكثر مما لديه لتدبير دفّة الاجتماع الأسري.

وتحدث الشيخ شلتوت عن المفهوم الإسلامي الصحيح (للقوامة)، فقال: بينت السورة الدرجة التي جعلها الله للرجال على النساء، بعد أن سوى بينهما في الحقوق والواجبات، وأنها لا تعدو درجة الإشراف والرعاية بحكم القدرة الطبيعية التي يمتاز بها الرجل على المرأة، وبحكم الكدّ والعمل في تحصيل المال الذي ينفقه في سبيل القيام بحقوق الزوجة والأسرة.

وهذه الرعاية، التي هي القوامة، لم يجعلها الإسلام حكراً للرجل بإطلاق، ولم يحرم منها المرأة بإطلاق، وإنما جعل للمرأة قوامة في الميادين التي هي فيها أبرع وبها أخبر من الرجال.

وهذه الرعاية -القوامة- هي في حقيقتها (تقسيم للعمل) وتحدد الخبرةُ والكفاءةُ ميادين الاختصاص فيه، فالكل راعٍ ومسؤول، فإن أصبحت المرأة معيلة للأسرة أو مشاركة في الإنفاق، فلا بد أن حق القوامة المطلق للرجل سيختلف، أو سيسقط.

أما وقد أصبحتِ امرأة عاملة، فأذكرك: أنت حرة. لكن اصدقي نفسك بالذي تريدينه حقاً، فأنت لا بد تعرفين أنه ليس كل النساء العاملات اللواتي قد خرجن للعمل هن سعيدات ويحققن ذواتهن، وكذلك ليس كل النساء اللواتي يجلسن في المنازل سعيدات ومرتاحات ويرعين أطفالهن على أكمل وجه!

لكني أقول لكِ: قبل أن تخرجي لتمارسي حقك في العمل وتحقيق الذات في المجتمع، لا تنسَي أولاً: أنك بيولوجياً امرأة، اختارك الله لمهمة الحمل والولادة ورعاية الطفل صغيراً، وخلق جسمك على هذا الأساس. وثانياً: يجب إشراك زوجك بشكل جذري، فهي ليست مشكلتك وحدك، اتفقي مع زوجك على حقوقك وواجباتك في المنزل، بأن يساعدك ويشارك في أشغال المنزل ورعاية أولادكما ويتحمل معك جزءاً من تلك المسؤولية، كما تشاركينه أنت في العمل والإنفاق، بدل أن تحملي همّ ذلك كله على رأسك، وأنت صاغرة، ثم تخرجين لتعملي وتنفقي على المنزل أو حتى تشاركي في الإنفاق عليه.

وثالثاً: اختاري خياراتك بطريقة علمية، وحددي أولوياتك، ومن الطبيعي أن تتغير تلك الأولويات تبعاً لكل مرحلة.

ثم أخيراً، لا تنسَي أن تكوني سعيدة، فأنت الأهم في هذه المعادلة الصعبة؛ لأنك إن لم تكوني سعيدة، لن يكون أحد من حولك كذلك، فأنت الشمس الساطعة والقمر المنير! افعلي ما يسعدك، فأنت حرة، إن كنت تريدين عملاً بدوام كامل ومرهق، أو عملاً جزئياً، أو حتى بعمل من المنزل.

أنت حرة إن كنت لا تريدين أن تكوني عالمة ذرة، أو ألا تشبهي عارضات الأزياء، أنت حرة إن كنت تريدين خبز الكعك في المنزل ليلة العيد أو شراءه من الخارج! راجعي نفسك دائماً، كي لا تنهمكي في فعل أشياء لإرضاء من حولك ومرجعيّاتهم في الحكم عليك.

ولا تشعري بالذنب؛ لأن أياً ما كان خيارك، لن يقلل من كونك مخلصة ومحبة لعائلتك، أو من كونك منتجة وناجحة في المجتمع!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد