سنوات غابرة

بغداد سقطت ومر على ذكراها 14 عاماً، ومن الظلم الى الظلام والظلم معاً دخلنا، اختلطت الأوراق، الأحداث تاهت في دوامة القتل، والقتل لم ينته، تلك الأيام التي مرت أذاقت الكثير من ويلاتها، حتى دخلنا في كل بيت فقيد، في كل بيت راحل، أو قريب، الصديق رحل والأخ رحل والرفقاء رحلوا عنا، هي سنون مرت بكل ويلاتها، بكل النيران التي حرقت أجسادنا، مرت، لكن مرت بألم وجروح لم تنته إلى الآن.

عربي بوست
تم النشر: 2017/04/23 الساعة 03:45 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/04/23 الساعة 03:45 بتوقيت غرينتش

كانت تلك الليلة يملؤها الارتقاب، كنت صغيراً حينها أو في فترة رؤيتي، لا أتجاوز الرابعة عشرة من عمري، غفوت ولا أبالي، فلا شيء في تفكيري. لكن جيداً أذكر أبي وأمي؛ كيف كان الارتقاب يحيطهما ومَن حولي من الكبار ومَن لهم باع طويل في الحياة!

لكن، هي الأيام تمضي، وجعلت مني اكتشف الكثير في طريقي ورحلتي التي لم تنته، هذه الحياة مدرسة تمتحنك قبل أن تعلمك، وبعد كل امتحان قد يكون صعباً أو قد يكون مرهقاً، لكنه درس لن تنساه أبداً، فهكذا هي الحياة وهكذا نحن نمضي معها.

السنون تمضي مسرعة، كان عمري حينها 14 عاماً، وهذه الذكرى الرابعة عشرة تمر علينا بكل تفاصيلها، بكل الدماء التي أريقت، بكل الأحداث الأليمة التي رأينها مرَّت مسرعةً، مضت والكثير فينا تغير والكثير من حولنا تغير؛ أشخاص فارقونا وأشخاص تركونا في منتصف الطريق، أشخاص يمضون ولكن كحياة الوحوش، دماء أريقت، أفعال بالحقد افتعلت، أمهات صرخت، أطفال يُتِّمت، لَعَنات عَلَتْ، وما زال الطريق لم ينته إلى الآن، كل شيء فينا يمضي وكأننا في وادٍ من الظلام، لا صديق يعرف، ولا مقتول يفهم لماذا قُتل! لا قاتل يعرف لماذا يقتل!

هي سنون غابرة مرت وما زالت تمضي معنا ولا نعرف الغد!، ذكرى وللذكرى حنين، هي بغداد سقطت ومر على ذكراها 14 عاماً، ومن الظلم الى الظلام والظلم معاً دخلنا، اختلطت الأوراق، الأحداث تاهت في دوامة القتل، والقتل لم ينته، تلك الأيام التي مرت أذاقت الكثير من ويلاتها، حتى دخلنا في كل بيت فقيد، في كل بيت راحل، أو قريب، الصديق رحل والأخ رحل والرفقاء رحلوا عنا، هي سنون مرت بكل ويلاتها، بكل النيران التي حرقت أجسادنا، مرت، لكن مرت بألم وجروح لم تنته إلى الآن.

ذلك الصراع المندلع على طول هذه السنين، ما زال يرهقنا بذكريات لم تنمحِ من خيالنا وعقولنا، صور لم تفارقنا، صراع أحرق وأحرق الكثير منا، وما زلنا بانجذابنا إلى الأشياء نفعل الأخطاء من جديد، دوافعنا التي أبعدتنا عن السلام ما هي إلا حقد في داخلنا يحرك جوارحنا لنمضي بهذا الصراع الى النهاية! نهاية لا يُعرف وقتها وحينها، متى وأين سيحل السلام؟ متى نتجرد من كل شيء لنرفع راية الوحدة من جديد؛ لننزع بهذه الراية الكره ونعود لإنسانيتنا التي أصبحت شبه معدومة رغم حديثنا عنها؟! أقول هنا: "دع السلام ينمو في قلبك لا في لسانك، واجعلها في أفعالك لا في حروف تكتب".

14 عاماً سقطت بغداد وسقط العراق، وتلتها الأحداث في هذا العالم المستعر، هنا وهناك نيران تحرقنا بكل الأديان بكل الطوائف، لا أعلم هل نحن من يفتعلها؟! بل نحن كلعبة هناك مَن يُحرّكنا.. ذلك الارتقاب في عين أمي وأبي اليوم فهمته فهم رؤيتهم كانت تختلف عنا، مرت عليهما الحروب وعاشاها فعرفا أن الحروب ليس فيها منتصر، الكل خاسر، وتلك اللذة للانتصار ما هي إلا على جثث من ودعونا وتبعثرت أجسادهم أشلاء، تاركين الأب والأم والزوجة والأطفال لتُذرف الدموع بالفقد.

بغداد اسمك دار السلام ولم تعرفي السلام! اسمك يكفي لنبعث السلام من جديد، نعمل لأجل أن يحل السلام؛ ليعود شعبك المرتحل وتعود ليالي ذكراها لا تنتهي، فما زال هناك أمل وما زال هناك نور يشرق على الكثيرين ممن يقطنون فيك، ما زال هناك أمل.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد