حزب الرفاه وبرنامجه السياسي:
كان البرنامج السياسي لحزب الرفاه يحمل عنوان (النظام العادل)، الذي يقصد به النظام الإسلامي، وهو من بنات أفكار الدكتور سليمان قرة غولة، وقد نال البرنامج موافقة أربكان منذ البداية، إلا أن البرنامج لم ينشر للعموم إلا في الحملة الانتخابية البرلمانية لعام 1991.
يقول الدكتور سليمان قرة غولة عن برنامجه: "إنه نظام يستند للحق لا إلى القوة.. في العالم هناك نظرتان: نظرة القوي ونظرة الضعيف، في الأولى يسود القوي بينما يجب أن يمحى الضعيف، ومقابل نظرة القوة التي تتخذ من الانتخابات صيغة متطورة لسيطرة القوي، هناك نظرة الرسالات السماوية التي هي عبارة عن نظام يستند على الحق، وهذا يعني أن هناك نظامين: أحدهما يستند إلى القوة والاحتكار والقانون المركزي، والآخر يستند إلى الحق ونظام الاجتهاد". (1)
ويعرف الدكتور قرة غولة الديمقراطية في النظام العادل بقوله: "في النظام العادل الديمقراطية ليست انتخابات تجري كل خمس سنوات، كما هي الحال في تركيا، ويعتمد على الأكثرية، لا أكثرية في النظام العادل، بل ائتلاف وطني يعترف بحق نعجة واحدة كما يعترف بحق 99 نعجة من أصل المائة، إن الانتخابات صيغة متطورة لسيطرة القوي الغني الذي تخافه الناس فتنتخبه". (2)
أما أربكان فيقول عن الديمقراطية: "يجب ألا ننسى أبداً أن الديمقراطية واسطة وليست غاية، الغاية هي إقامة (نظام السعادة)، فتحت اسم الديمقراطية يختار هذا فلان وذاك آخر، ولكن إذا كانت النتيجة قيام (نظام الظلم) فلا تبقى قيمة لهذه الانتخابات والأشكال المنبثقة عنها". (3)
على الصعيد الاقتصادي النظام العادل لا ربا فيه ولا ضرائب ظالمة ولا صك لنقود دون رصيد يغطيها، أما على صعيد السياسة الخارجية فالهدف الذي يسعى له الحزب الوصول إلى إنشاء منظمة الأمم المتحدة الإسلامية ينبثق عنها منظمة للتعاون الدفاعي المشترك بين الدول الإسلامية، وتسعى للوصول إلى وحدة نقدية (الدينار الإسلامي)، كذلك الأمر تبحث المنظمة موضوع التعاون الثقافي الإسلامي، وفي الملف الكردي تبنَّى الحزب فكرة حل هذه المعضلة ضمن إطار الأخوة الإسلامية.
ضمن هذه الرؤى طالب أربكان بإلغاء العلمانية التركية التي تتجاوز نظيرتها الأوروبية، فإن كانت العلمانية الأوروبية تفصل الدين عن السياسة، فإن النسخة التركية تعطي الدولة الحق في التدخل في الدين ومحاصرته، وتواجه الإسلام الذي هو دين الأغلبية الساحقة من الأتراك بالعداء الشديد.
كانت تلك نظرة سريعة على برنامج حزب الرفاه، الذي ما إن وصل إلى السلطة حتى بدأ السعي المباشر لوضع هذا البرنامج موضع التنفيذ ما جعله في مواجهة مباشرة مع الإمبريالية العالمية في أوروبا وأميركا خارجياً وعملائها من الكماليين، سواءً العسكر أو الأحزاب السياسية الممثلة لها داخلياً، ولأن الحزب لا يمتلك من أدوات المواجهة سوى شعبيته وجماهيره، فقد خسر السباق مبكراً، وحسناً فعل السيد نجم الدين أربكان حين قدم استقالته مخففاً من الآثار المدمرة لصراع غير متكافئ.
بالنظر لأطروحات حزب الرفاه نجد أنها أطروحات إسلامية واضحة المعالم، وإن كانت خلال التنفيذ قد تجاهلت الواقع بعض الشيء، الأمر الذي سرع في خروج الحزب من حلبة الصراع وعدم تمكنه من الوصول إلى النتائج التي خطط لها، ففكرة كمجموعة الدول الإسلامية الثماني (تركيا، إيران، باكستان، ماليزيا، بنغلاديش، مصر، نيجيريا، إندونيسيا) على سبيل المثال والتي تحاكي فكرة الدول الصناعية الكبرى الثماني، كانت تتجاهل واقع تلك الدول وسيطرة الغرب عليها، المباشرة أو غير المباشرة،
عبر تحكمه بمفاتيح اقتصادها وامتلاكه للكثير من العملاء فيها، كما أنها تجاهلت المشاريع المتضاربة التي قد تحملها تلك الدول، وأنها بالعموم لا تمتلك قيادات صاحبة نظرة إسلامية شاملة، فدولة كإيران مثلاً التي تحسنت علاقة الأتراك بها كثيراً في عهد أربكان تحمل مشروعاً قومياً يعتمد أدوات طائفية ويسعى لابتلاع المنطقة وفرض نفسه كقوة معترف بها دولياً في محيطها وهو طموح سيتعارض مع المشروع الأربكاني عاجلاً أم آجلاً.
ولكننا رغم الملاحظات السابقة على تجربة حزب الرفاه لا نمتلك إلا أن نقول إنها كانت محاولة منظمة وذات فاعلية كبيرة، وتجربة بُنيت على تراكم وخبرات طويلة من العمل السياسي يمكن الإفادة منها، فقد أبقت أثرها في المجتمع التركي حتى بعد خروج الرفاه من السلطة وحظر نشاط قياداتهم، وما الإنجازات التي حققها العدالة والتنمية -مع تنكره للنهج الأربكاني – على الصعيد التركي فيما بعد إلا ثمرة لجهود رجال حزب الرفاه، ولو في جزء منها على الأقل.
تأسيس حزب الفضيلة:
بعد أن تم إخراج أربكان من السلطة أقرت المحكمة الدستورية حل حزب الرفاه في 16 – 1 – 1998 وحرمان أربكان من ممارسة أي نشاط سياسي لمدة 6 سنوات، فاتجه أربكان إلى تأسيس حزب جديد سمَّاه حزب الفضيلة، ولما كان أربكان ممنوعاً من ممارسة النشاط السياسي فقد رأس الحزب رجائي قوطان.
تابع حزب الفضيلة على نفس درب حزب الرفاه، لكن الحزب حوى جناحين متنافسين بعقليتين مختلفتين؛ الأول هو جناح الحرس القديم من الملتزمين بخط أربكان ودعاة التحديث برئاسة الطيب رجب أردوغان وعبد الله غول، الذين دعوا إلى براغماتية أكبر في سياسة الحزب والاتجاه نحو الغرب والسير ضمن المشاريع الأميركية أو بتوازٍ معها لا الاصطدام معها، وحاولوا مزج قيم الإسلام بقيم الحداثة والمزاوجة بينها، فكان قريباً في أطروحاته من أطروحات عدنان مندريس والرئيس تورغوت أوزال.
دخل الحزب الانتخابات البرلمانية لعام 1999 وحقق 21 مقعداً في البرلمان في عودة للدوران في نفس الحلقة المفرغة التي أنهكت أربكان من قبل، فحصد في النهاية نفس النتيجة التي حصدها حزب الرفاه؛ إذ تم حله في 22 – 6 – 2001، في هذه المرحلة تفرق أنصار التيار الإسلامي بين حزبين؛ الأول حزب السعادة وعلى رأسه رجائي قوطان ويتبع مباشرة لسيطرة أربكان، والآخر هو حزب العدالة والتنمية برئاسة رجب أردوغان ويمثل الاتجاه الجديد المنشق عن نهج المعلم أربكان، وسنتابع في مقالنا القادم الحديث عن العدالة والتنمية وتسلّمه الحكم وحال الأحزاب والجماعات الإسلامية الأخرى في تركيا خلال تلك الفترة.
ــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
1- تركيا بين الكمالية والأردوغانية، الدكتور علي محافظة – ص 146.
2- المصدر نفسه.
3- المصدر نفسه.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.