في صيف 2003 كنا في جناح آيسار، وهو جناح كله من الإسلاميين، ولكن على اختلاف في الأيديولوجيات "سلفية، إخوان، تحرير، جهاديين، مستقلين".
دخل علينا جماعة أبو القاسم الزبداني وهم 24 شخصاً، يتزعمهم شخص يكنَّى بأبي القاسم، وجميعهم من الزبداني أطلقوا على أنفسهم "جماعة الأمة"، وهم في حقيقتهم "جماعة التكفير والهجرة".
قصة الاعتقال:
هي قصة مفجعة للغاية، يظهر فيها أثر الغلو والتطرف الديني.
توفيت الحاجة أم أبي القاسم، وهو الابن الوحيد لها، فاحتار أبو القاسم ماذا يفعل بهذه الكافرة؟
فقرر الخروج من البيت وتركها على فراش الموت، بعد أيام تخرج رائحة كريهة من البيت، فيجتمع الجيران حول البيت، طرقوا الباب كثيراً ثم كسروه؛ ليجدوا جارتهم المؤمنة الصابرة جثة هامدة على الفراش.
اتصلوا هاتفياً بأبي القاسم.
* أين أنت؟ وجدنا أمك ميتة في البيت؟
– فأجابهم أبو القاسم ببرود: "أنا أعلم، لقد ماتت منذ خمسة أيام".
* لماذا لم تدفنها؟
– لأنها كافرة، لا يجوز أن أدفنها ولا أن أصلي عليها؟
* كافرة!!
المهم قام الجيران بمراسيم التغسيل والتكفين والصلاة والدفن، وانتشرت القصة في الزبداني حتى وصلت إلى فرع المخابرات.
ومن باب التسلية استدعت المخابرات أبا القاسم ليضحكوا ويتسلوا على هذا الرجل الخبل، وعندما سألوه لماذا هي كافرة؟
قال لهم: لأنها لم تدخل جماعة الأمة.
فقالوا له: "طيب نحن شو؟".
قال: كفار.
فقالوا له: والسيد الرئيس؟
قال: كافر.
انتقل الموضوع هنا من تسلية إلى قضية أمنية وبدأ التعذيب حتى اعترف أبو القاسم على كل جماعة الأمة الـ24.
انتهت قصة الاعتقال.
كنت في سجن صيدنايا ألقي الدروس الإسلامية، فطلبت مني جماعة الأمة أن أقدم لها دروساً في العقيدة والتجويد.
وافقت على طلبهم، وبدأنا الدروس في مهجعهم، ولقد رأيت منهم أخلاقاً حميدة، وصدقاً في المعاملة.
بعد عدة دروس قررت أن أدخل في عمق الجماعة، فقلت لهم: درسُنا اليوم عن ضوابط التكفير.
فقال لي أحدهم: نرجو أن تغيّر هذا الموضوع.
أحسست أنهم يريدون أن يتهربوا من الدرس، قلت لهم: لا هذا هو درس اليوم.
قالوا: إذاً يجب أن تعلم أنّ لدينا ضوابط في الإيمان والكفر، ونحن لا نحتاج إلى هذا الدرس.
قلت لهم: إذاً لماذا تبخلون عليّ بهذا وأنا لم أبخل عليكم بشيء؟!
قالوا: نحن نخشى أن نخسرك.
قلت عندها: أنا مُصر على أن نتحاور.
قلت لزعيمهم: تفضل وأخبرني عن ضوابط الإيمان والكفر عندكم؟
قال لي: الأفضل أن نتحاور بشكل منفرد أنا وأنت، فأنا أنوب عن بقية الإخوة.
فقلت له: لكني لا أريد أيّ حوار إلا أمام الجميع.
فقال: أنت تعلم أن البلاد اليوم كلها تُحكم بالكفر، والأنظمة كلها كافرة، والله يقول: "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون"، فجميع الأنظمة كافرة، والشعوب التي ارتضت أن تُحكم بالكفر هي كافرة كذلك، فيجب أن يتبرأ المسلم من هذه الأنظمة والشعوب كي يكون مسلماً، وبعد أن يتبرأ يجب أن يلتحق بجماعة المسلمين الحق، وهي غير محققة إلا بجماعة الأمة التي يوجد منها اليوم في مصر وبعض البلدان، وأما في سوريا فنحن جماعة الأمة، وبعد الدخول يجب أن يتعلم شروط لا إله إلا الله وأركانها.
هنا سألته: ماذا تقول في الجماعات الإسلامية التي تعارض الأنظمة؟ قال: كلهم كفار.
قلت له: وماذا تقول عن المعتقلين الإسلاميين الذين اعتُقلوا لأنهم يُنادون بالإسلام؟ قال: كلهم كفار.
قلت له: وماذا تقول عني أنا؟ قال: أرجو أن لا تغضب، نحن نحبك ونحترمك ونقدر علمك.. ولكنك كافر.
قلت له: وكيف تأخذون العلم الشرعي عن كافر؟!
قال: نحن لا نأخذ منك العلم الشرعي، نحن نصدق النقولات التي تنقلها، فأنت عندنا صادق، وأنت تنقل لنا رأي الشيخ ابن تيمية، وتنقل لنا المسألة الشرعية وأدلتها، فنحن نأخذ عنك النقولات والأدلة، لكنك كافر.
قلت له: لم يسبقكم بهذا أحد من السلف ولا من الخلف.
قال لي: ولكننا بصراحة نطمع أن تكون واحداً منا، وأن تدخل في الإسلام وتدخل جماعتنا.
قلت له: حسناً يا شيخ. أنا الآن أريد أن أدخل في الإسلام. فماذا عليّ؟
قال: هل أنت جاد أم مازح؟
قلت له: أريد أولاً أن أعرف ما هو المطلوب مني كي أدخل الإسلام ثم أقرر، هلّا وضحتم لي حقيقة الإسلام.
قال: يجب أن تعرف شروط " لا إله إلا الله " وواجباتها. فإن عرفتها بحق ودخلت جماعة الأمة فأنت مسلم.
قلت: تفضل يا شيخ: عدد لنا شروط "لا إله إلا الله".
قال:
أولاً: العلم بها نفياً وإثباتاً.
ثانياً: اليقين بها.
ثالثاً: الإخلاص لها.
رابعاً: الصدق لها المنافي للنفاق.
خامساً: المحبة لها المنافية للبغض.
سادساً: الانقياد لها المنافي للترك.
سابعاً:…..
هنا يقف الشيخ هائماً، تغير وجهه، احمر اخضر ازرق..
بعدها بدقائق رأيت جماعة الأمة في المهجع تنظر إليه نظرة تكفيرية.
أراد أحدهم أن ينطق بالشرط السابع، لكن الشيخ منعه، قائلاً: اصمت. أنا سأقول الشرط السابع.
قلت له: يا شيخ، ماذا نسمي هذا؟ هل هو إيمان ناقص.
قال: "وبصوت يرتج" كلا هذا كفر، هذا كفر.. أنا الآن كافر، أنا كافر.. وكفّر نفسه، مع سكوت لبقية الجماعة "وكأنهم وافقوه" قلت له: وماذا بعد؟
قال: سأدخل الإسلام من جديد، لكني أنا الآن كافر.
قلت له: لكن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يكتفي بالشهادة فقط، ولا يحتاج إلى هذه التعقيدات.
قال: لقد كانوا يعلمون حقيقتها، أما اليوم فنحن نجهلها.
قلت له: وماذا نفعك العلم بحقيقتها إن كنت تكفر نفسك بهذه السهولة.
وهنا قلت لهم: الآن شيخكم كافر، وتريدون مني أن أدخل في جماعة شيخها يعتبر نفسه كافراً مع وقف التنفيذ.
المهم أنهم قالوا لي إن الشيخ اغتسل وأعاد إسلامه وتلا الشروط السبعة والواجبات الخمسة ثم أعادوا له البيعة.
استطعت أنا والإخوة في الجناح أن نؤثر على شخصين من الجماعة، فأعلنا ارتدادهما عن جماعة الأمة، فأعلنت جماعة الأمة تكفير هذين الشخصين مباشرة.
إلى اللقاء مع نموذج آخر للتطرف.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.