مناورات مع بنكيران ومشاورات مع العثماني

كانت كل التوقعات تسير في اتجاه تشكيل بنكيران لحكومته الثانية بعد عودة الملك محمد السادس من جولته الإفريقية، وكانت حتى أسوأ القراءات تقول بأن الهدف من هذا "البلوكاج" هو أن الجهات المتضررة من حب بنكيران الصوفي للملك وجرأته في انتقاد محيطه بلغة "إياك أعني" تناور، حتى يتعلم أقوى زعيم حزب في البلد أن الدستور ليس جسداً فقط، بل وروحاً أيضاً.

عربي بوست
تم النشر: 2017/04/08 الساعة 03:48 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/04/08 الساعة 03:48 بتوقيت غرينتش

كانت كل التوقعات تسير في اتجاه تشكيل بنكيران لحكومته الثانية بعد عودة الملك محمد السادس من جولته الإفريقية، وكانت حتى أسوأ القراءات تقول بأن الهدف من هذا "البلوكاج" هو أن الجهات المتضررة من حب بنكيران الصوفي للملك وجرأته في انتقاد محيطه بلغة "إياك أعني" تناور، حتى يتعلم أقوى زعيم حزب في البلد أن الدستور ليس جسداً فقط، بل وروحاً أيضاً.

بدا الحدث في البداية وكأنه مزحة، قبل أن تصغر أمامه كل النقاشات وتذوب في حضرته كل الاختلافات.

عاد بنكيران ليلة الأربعاء من الدار البيضاء وهو يحمل في جيبه ورقته التي ضمنها كرونولوجيا مسار تشكيل الحكومة، دون أن يستطيع لقاء الجالس على العرش، عاد مصدوماً كما قال هو نفسه؛ ليصدم معه كل المعتقدين بأن زمن الدسائس والمؤامرات قد دفن مع سلاطين ألف ليلة وليلة.

الأمر لا يحتاج إلى تحليل عميق، كل ما في الأمر أن الدولة العميقة لن تتحمل رئيس حكومة يحمل معه "جنته في صدره" لخمس سنوات أخرى، ولذلك فالتوجه كان هو كسر هذه الصخرة، التي تحطمت عليها مصالح الكثيرين، أياً كانت الوسيلة ومهما كلف الثمن، ولأن الجبناء يهربون دائماً من المواجهة، كان أقصر الطرق لرأس بنكيران هو الوقيعة بينه وبين الملك.

لم يكن الأمر يتطلب أكثر من تأسيس جريدة هنا أو إرشاء رئيس تحرير هناك؛ لتبدأ آلة الكذب في غزل حبالها الطويلة حول رقبة رجل وطني صادق وقف عندما هرب الأقزام في 2011 مدافعاً عن ثوابت الأمة المغربية، ومؤصلاً لمنهج "الإصلاح في ظل الاستقرار".

كان هؤلاء يدركون أن الإشاعة إذا وجدت ما يكفي من الضخ الإعلامي يمكن أن تتحول إلى مقصلة تنهي مسار أي زعيم سياسي مهما علت شهرته ومهما أظهر من حبه للجالس على العرش.

خرج بنكيران -أو بالأحرى أُخرج- من الحكومة وهو يناضل من أجل استقلال القرار الحزبي ورفض الإملاءات الفوقية، خرج وهو يرفض أن يكون مجرد رئيس حكومة شكلي تتخذ القرارات باسمه، خرج لأنه لا يريد أن يكون مجرد قنطرة عبور صغيرة على وادٍ من الأحداث والتحولات الكبيرة.

لقد خرج لأنه وقف دائماً حيث يجب، وقال ما كان ينبغي قوله، لقد وقف في عز الربيع مدافعاً عن الملك والملكية، ثم وقف فيما بعد وهو رئيس للحكومة داخل قبة البرلمان ثائراً مدافعاً عن حق المواطنين من الثروة، مردداً: "إذا الشعب يوماً أراد الحياة".

هل كان على بنكيران أن يؤدي هذا الثمن قبل أن يدرك الجميع أن المنصب لم يكن غاية بالنسبة له، وإنما وسيلة لخدمة الوطن والمواطنين؟ نعم، وإلا فإنه لا يستحق ثقة من كانوا يحجون بالآلاف إلى مهرجاناته الخطابية في المدن والقرى.

لقد تمكنوا اليوم من إخراجه من الحكومة بعد خمسة أشهر من المناورات، لكن قطعاً لن يستطيعوا إخراجه من الحكم، فالمواقف، ليست كالأشخاص، والزمن لا يزيدها إلى قوة وعنفواناً، والزعماء التاريخيون يحضرون رمزياً كلما غابوا مادياً.

وهل هناك سلطة أقوى من السلطة الرمزية؟ لذلك سيذكر التاريخ بنكيران، كما يذكر اليوم عبد الله إبراهيم وبنبركة وعلال الفاسي وغيرهم، من الذين خلدوا أسماءهم، وسينسى كل هؤلاء المتآمرين عليه.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد