"الواد محروس بتاع الوزير"، أحد أشهر الأفلام الكوميدية التي ظهرت في السنوات الماضية (إنتاج 1999، وإخراج نادر جلال)، ملخص فكرته أن كل مسؤول أو قيادي بالدولة لديه محروس، ومحروس هذا شخص غالباً نكرة هامشي، لكنه موضع ثقة القيادي أو المسؤول، وهو يملك مع هامشيته وضآلته الاجتماعية قدرة كبيرة على التلاعب بالمسؤول أو القيادي الكبير، فبعد فترة من عمله مع القيادي أو المسؤول، يتماس مع كافة نقاط ضعفه، ويقتحم ببطء كافة مناطقه الأشد خصوصية، لدرجة يتحول المسؤول إلى نسخة قميئة من "محروس"، ويصبح محروس هو القيادي أو المسؤول، وربما كانت قرارات الأخير بتأثير مباشر من محروس.
خيط رفيع للغاية، أدق من الشعرة، وأحدّ من السيف، يفصل بين حالتين؛ الأولى أن تكون "محروس" ذلك التابع الذليل لسيده طول الوقت، لا يأنف أن يقوم بأي عمل دنيء، وبين أن تكون أنت مستقلاً.
الحالة الثانية: تُحمّلك بأعباء ثقال، وتُخضعك لضغوط كبيرة، بينما الحالة الأولى تُدخلك في عالم من الراحة والدعة مصحوبة بثخانة في الجلد والأحاسيس، فترى أن الآخرين لا يرونك حيث تقف، وهي فترة طالت أو قصُرت، كل يذهب إلى سبيل؛ حيث ترتد الكرة مرة أخرى لنقطة البداية، وتبدأ الحياة سيرتها الأولى، ويبدأ الصراع ما بين "محروس" آخر عالق في الغيب لا نعرفه يقيناً، لكنه موجود بيننا كثير منه، وبين شخصيات مستقلة يُراد لها أن تخضع وتنكسر.
ويملك محروس سلطة فعلية على عزل المسؤول عن الناس، بما يزرعه في ذهن المسؤول من أن الناس تتآمر عليه، وربما لميل القيادي أو المسؤول إلى أنه فوق الخلق، بما يملك من حكمة وبصيرة، وكلما تدرج المسؤول في السلطة لأعلى زاد نفوذ محروس، لدرجة قد تكون الدولة نفسها ومن ورائها الحكومة هي حكومة محروس.. فنجد دولتين أو حكومتين، واحدة رسمية يراها ويسمعها الناس آناء الليل وأطراف النهار، تطل عليهم من النوافذ والأبواب والمجلات والصحف والفضائيات ونراها في قرارات رسمية ينطبق عليها الحكم الشرعي في الخمر"ضررها أكبر من نفعها"، وأخرى موازية، هي حكومة محروس (أعياني البحث لغوياً عن جمع اسم محروس هل هو محاريس أم محارس)، وهي الحاكم بأمره والناهي، وهي المانح والمانع، ودائماً الفساد بشتى أنواعه مرتبط بمحروس وحكومته.
لم يكن الفيلم مجرد سيناريو أحيك بمهارة، أو مجرد إفيّهات للإضحاك، فخلف هذا وذاك تظل الفكرة الرئيسية التي ألقى عليها المؤلف والمخرج الضوء، ضعف المسؤول، وحالة الترهل الإداري، ورخاوة اتخاذ القرار، والمظهر البرّاق يكون دائماً مغايراً للمضمون، فهناك في الظل يقبع أو يكمن "محروس" مسؤولاً فعلياً قادراً على تحريك الأمور وفق مشيئته هو.
وإذا كانت آفة حارتنا النسيان، كما لخصّ "نجيب محفوظ"، فإن آفة الدولة بكافة قطاعاتها في إدارتها، وبالتالي كلما تقزمت الإدارة العامة تعملق "محروس" واتسع دوره، وتعمّقت الأزمة في النهاية.
فمحروس وأمثاله من المحاريس يقفون بالمرصاد ضد أي محاولات للإصلاح الإداري الحقيقي، وبرغم كونهم عالة على الجهاز الإداري برمتّه، فإنهم المسيّرون الفعليون، والآمرون الناهون، الموجّهون للمصالح.
الخلاصة أن ارتقاء الدولة ونهوضها رهن بوجود حكومة واحدة فقط، فعندما يتخلص المسؤول من محروس وقتها يتغير وجه الحياة بالمجتمع.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.