قراءة في وثيقة دي ميستورا “الاثني عشرية”

من المعلوم أن المبادئ العامة والبنود المتفرعة الواردة في الوثيقة بعباراتها المختارة المنمقة ليست محل جدال للوهلة الأولى، ولكن لدى التدقيق والمقارنة والعودة إلى ما قبل خمسة أعوام من عمر مسار (الجنيفات) نتوصل بلا شك إلى نتائج غير سارة فيما يتعلق بمصير الثورة والقضية السورية ومستقبل البلاد وأداء المعارضة، ودورها، ومن أبرزها:

عربي بوست
تم النشر: 2017/04/05 الساعة 04:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/04/05 الساعة 04:06 بتوقيت غرينتش

الوثيقة ببنودها الاثني عشر أو "اللاورقة"، كما سمَّاها مبعوث الأمم المتحدة الخاص بسوريا، التي وزعها على الوفود السورية المشاركة في محادثات جنيف 4، والتي لاقت رضا ومديحَ كل الأطراف، وخصوصاً طرف النظام، تعتبر حصيلة ما تمخض عن المداولات الدولية بمشاركة ممثلي النظام والجماعات المعارضة منذ اجتماعات جنيف 1، مروراً باتفاقيات فيينا ومحادثات أستانا، وانتهاء بالجولة الرابعة الأخيرة، وهي إلى جانب ذلك تعتبر جدول أعمال الجولة الخامسة المرتقبة في أواخر مارس/آذار الجاري، المتمحور حول ما أطلق عليه السلال الأربع: الحكم اللاطائفي، والدستور، والانتخابات، ومحاربة الإرهاب.

من المعلوم أن المبادئ العامة والبنود المتفرعة الواردة في الوثيقة بعباراتها المختارة المنمقة ليست محل جدال للوهلة الأولى، ولكن لدى التدقيق والمقارنة والعودة إلى ما قبل خمسة أعوام من عمر مسار (الجنيفات) نتوصل بلا شك إلى نتائج غير سارة فيما يتعلق بمصير الثورة والقضية السورية ومستقبل البلاد وأداء المعارضة، ودورها، ومن أبرزها:

أولاً: قبلت الهيئة العليا ما كانت ترفضه منذ جولة جنيف الأولى (2012)، خاصة ما يتعلق بمجلس حكم انتقالي كامل الصلاحية في مختلف السلطات، بما فيها العسكرية والأمنية، وتنحية الأسد وحاشيته، وزوال الاحتلال الروسي العسكري، وإطلاق سراح السجناء والمعتقلين، ووقف الهجمات العسكرية من جانب النظام وأعوانه الروس والإيرانيين والميليشيات المذهبية وبذلك وغيره من المسائل الأساسية في الصراع تكون (الهيئة) قد فكَّت ارتباطها من الثورة السورية وتخلت عن أهدافها الرئيسية في إسقاط الاستبداد والتغيير الديمقراطي، وهذا ما جعلها تقترب أكثر من ممثلي المنصات، الذين كانوا حتى الأمس القريب من الموالين للنظام، ولم يتنازلوا قيد أنملة عن مواقفهم المقبولة من النظام والروس والإيرانيين، وهذا ما يفسر إصرار رئيس وفد النظام على ضرورة توحيد وفد المعارضة، أو وفود منصات الرياض والقاهرة وموسكو، على حد تعبيره.

ثانياً: ما تمخض عن جنيف 4 يشكل تقدماً في ترسيخ مشروع المحتلين الروس، وتفردهم في تقرير مصير السوريين بغياب لافت من جانب من كانوا (أصدقاء الشعب السوري) من الأميركان إلى الأوروبيين إلى النظام العربي الرسمي، وبتململ واضح للموقف التركي الذي يبحث عن مصالحه أيضاً، وهؤلاء الممسكون بكل جزئيات الورقة السورية يديرون اللعبة بكل ما لديهم من كفاءات دبلوماسية وأمنية ومعرفة بالداخل السوري وقضاياه الكبرى والصغرى، واطلاع على خفايا مؤسسات النظام وعوامل قوته وضعفه، فهم يتواصلون مع جميع المكونات القومية والدينية والمذهبية، ويبدون التعاطف مع كل مَن يشعر بأنه مضطهد، ويطلقون الوعود اللفظية السخية للعرب والكرد والتركمان والمسيحيين والسنة والعلويين والدروز، كل ذلك في سبيل تحقيق مشروعهم الذي يخدم مصالحهم بالدرجة الأولى والأخيرة، ويسعون بطبيعة الحال ليلَ نهار من أجل تمهيد السبل ليحقق مشروعهم النجاح، خاصة في مجال التهدئة وتصالح الأضداد.

ثالثاً: البنود الواردة في الوثيقة مأخوذة في مجملها من خطاب نظام الأسد ودستوره ومفردات الحزب الحاكم وتعابير الخبراء الروس، والبعض منها من ثقافة الأحزاب السورية التقليدية، وبرامجها السياسية، طبعاً العبرة ليست في النصوص؛ بل في التطبيق وما في النفوس وبشكل عام، فإنها تجسد الخيار السياسي الآخر المواجه لنهج الثورة والتغيير، وهذه حقيقة يجب أن يعترف بها القائمون على (الائتلاف والهيئة العليا)، ويصارحوا السوريين بكل ما حدث، والأفضل أن يعودوا إلى قرار الشعب إن لم يكونوا راضين عن النتائج والشروط، والمتمثل كما نردده منذ أعوام، وهو اللجوء إلى مؤتمر وطني سوري جامع لتقرير ما يراه مناسباً لمستقبل بلادنا وثورتنا.

رابعاً: فيما يتعلق بالمكونات الوطنية السورية، وخصوصاً القومية منها، مثل (الكرد والتركمان والطيف المسيحي الذي يرى قسم منه نفسه كقومية)، فإنها الخاسرة الأولى في وثيقة المبعوث الدولي، فمن جهة هناك تجاهل لحقيقة التعددية القومية في سوريا، واكتفاء الوثيقة بالتعددية السياسية فقط، ومن جهة أخرى عدم اعتراف بمحنة القوميات غير العربية ومظالمها وحرمانها وتعرضها للتجاهل والاضطهاد من جانب النظام، والأخطر التهرب من استحقاقاتها القومية الدستورية والقانونية، وبالتالي إخضاعها لنفس الطريقة البعثية السابقة في إدراج قضاياها بالإدارة المحلية على مستوى المحافظات، كما كان منذ انقلاب البعث عام 1963، مع احتمالات اتفاق الروس مع النظام على اعتماد الإدارة الذاتية لجماعات "ب ك ك"، أو ما يطلق عليها الكرد السوريون سلطة الأمر الواقع المقامة أصلاً برضا نظام الأسد.

(المجلس الوطني الكردي) الذي كان ممثلاً في جنيف 4 من خلال وفد الائتلاف، وهو جزء من الهيئة التفاوضية لم نسمع من مبعوثيه صوتاً طيلة أيام المباحثات لا حول القضايا العامة ومصير البلد، ولا حول بنود الوثيقة، وخصوصاً ما يتعلق الأمر بالقضية الكردية وقضايا المكونات الأخرى، وإذا كنا نعتبره شريكاً في المسؤولية في تراجع (الائتلاف والهيئة العليا) على المستوى الوطني وإخفاقهما، فلن نعفيه أبداً من عدم أهليته في تمثيل شعبنا وقضيته، وعليه الاعتراف بالفشل والخروج من الصدارة كنظيريه (الائتلاف والهيئة)، حتى يتسنى لممثلي الكرد الحقيقيين أخذ زمام المبادرة والدفاع عن الحقوق المشروعة، والسبيل إلى ذلك كما طرحنا منذ أعوام هو المؤتمر الوطني الكردي السوري الجامع، من أجل توحيد الصفوف والجهود، وانتخاب مَن يؤمن بالمشروع القومي والوطني.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد