المغرب.. ولادة حكومة متعسرة‎

مسار تشكيل الحكومة بالمغرب حظي بالاهتمام الأكبر في تاريخ تشكيل حكوماته، زاده مسلسل تعثرها تشويقاً، بالاشتراطات والاشتراطات المضادة، التي ركز فيها الإعلام بشكل مفرط على مواقف عبد الإله بنكيران

عربي بوست
تم النشر: 2017/04/05 الساعة 03:36 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/04/05 الساعة 03:36 بتوقيت غرينتش

مسار تشكيل الحكومة بالمغرب حظي بالاهتمام الأكبر في تاريخ تشكيل حكوماته، زاده مسلسل تعثرها تشويقاً، بالاشتراطات والاشتراطات المضادة، التي ركز فيها الإعلام بشكل مفرط على مواقف عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، متصدراً نتائج الانتخابات التشريعية للسابع من أكتوبر/تشرين الأول، والمكلف بتشكيل الحكومة في حينه؛ حيث تتابعت صوره مع زعماء الأحزاب الممثلة في البرلمان، ما عدا حزب الأصالة والمعاصرة غريمه التقليدي، وحزب نبيلة منيب الغاضبة دائماً، ثم حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي كان بصدد ترتيب بيته الداخلي، وتغيير زعيمه الأسبق صلاح الدين مزوار، بعدما كان التمديد له استثنائياً فقط لغاية انقضاء الاستحقاقات الانتخابية، والذي أصر بنكيران على انتظار نتائج مؤتمره التي أفضت لزعامة عزيز أخنوش، الخبير التفاوضي الذي سيقلب معادلة مفاوضات تشكيل الحكومة؛ لتبقى محصورة بين بنكيران وأخنوش.

بنكيران قرارات متسرعة واستعلاء تفاوضي

فقبل تولي عزيز أخنوش قيادة التجمع الوطني للأحرار، كان بنكيران قد حسم في مشاركة حزب التقدم والاشتراكية ذي الـ12 مقعداً، وحزب الاستقلال (46 مقعداً)، هذا الأخير الذي سبق له بزعامة حميد شباط أن انسحب من حكومة بنكيران في نسختها الأولى دون سبب معلن، وعوضه في حينه حزب التجمع الوطني للأحرار الذي أشهر زعيمه أول فيتو في وجه مشاركته؛ لكون شباط غير مأمون الجانب، مما قد يؤثر على تكوين فريق حكومي متجانس، فكان الصدام الأول لـ"بنكيران" الذي لم يستسِغ هذا الشرط وأخرجه للعلن مع حملة إعلامية تستهدف شخص أخنوش، وتتهمه بتبادل الأدوار مع غريمهم التقليدي إلياس العماري، زعيم حزب الأصالة والمعاصرة؛ لتأتي تصريحات شباط حول موريتانيا مع ما صاحبها من توتر في علاقاتها الثنائية بالمغرب، وفي ظرف دقيق لتثبت صواب رأي أخنوش، ويضطر بنكيران للتخلي عنه، إلا أنه بالمقابل أعلن بشكل أحادي عن حصر الأغلبية الحكومية في الأحزاب المشكلة لحكومته الأولى، وهي التجمع الوطني للأحرار، الحركة الشعبية والتقدم والاشتراكية، فبمَ رد أخنوش؟

أخنوش.. تفاوض صلب وخلفية اقتصادية

اجتمع في عزيز أخنوش ما تفرق في غيره من زعماء الأحزاب المغربية، فهو كشخص صديق الملك، أمازيغي، ورجل أعمال، وهي صفات يحتاجها بنكيران تباعاً، لا سيما أن له حساسيات سابقة معها منفردة، وكزعيم سياسي فبنكيران مدين له بإنقاذ نسخته الأولى من الحكومة، وبتميز وزرائه كل في مجاله؛ حيث اعترف بنكيران غير ما مرة بأن حزبه تعوزه الكفاءات في مجالات معينة، لا سيما في الشق الاقتصادي، خصوصاً أن كتيبة رجال الأعمال من خارج الحزب دعمت حزب الأصالة والمعاصرة في انتخابات أكتوبر، والمتتبع لمسار أخنوش سيفهم رغبته في تعزيز موقفه التفاوضي بعد تكوين فريق مشترك مع الاتحاد الدستوري، وإقناع الاتحاد الاشتراكي والحركة الشعبية في دعمه، وهو ما لم يستسِغه عبد الإله بنكيران واعتبره "مؤامرة"، وينهي الكلام معهم في بلاغ شهير.

بين منطق الدولة ومنطق الحزب

ففي سياق عودة المغرب للاتحاد الإفريقي، كان لزاماً المصادقة على قانونه التأسيسي من طرف البرلمان، الذي لم تتضح بعد أغلبيته من معارضته، فتم الاتفاق على إسناد رئاسة مجلس النواب لحزب الاتحاد الاشتراكي، استغلالاً لتموقعه القوي في الأممية الاشتراكية خدمة للقضية الوطنية الأولى، إلا أن منطق حزب العدالة والتنمية دفعه للتصويت بورقة بيضاء اختلف الجميع في دلالتها، مع استمرار رفض مشاركة الاتحاد الاشتراكي في الحكومة، ودائماً دون الإفصاح عن سبب؛ ليستمر البلوكاج وتتجه الأنظار لعودة الملك من جولته الإفريقية.

وأخيراً وفور عودة الملك محمد السادس، أصدر بيانا بإنهاء تكليف عبد الإله بنكيران، وتكليف سعد الدين العثماني من نفس الحزب في تناغم مع منطوق الدستور، بعد التأكد أن عرقلة تشكيل الحكومة كانت مشخصنة أكثر منها برامجية؛ لتتسارع الأحداث، فيتمكن سعد الدين العثماني من تشكيل الأغلبية الحكومية بنوع من الواقعية السياسية، بعدما تعامل مع واقع قيادة الاتحاد الاشتراكي للغرفة الأولى بالبرلمان، فما يمنعه من المشاركة في الحكومة؟ لتتم ولادة الحكومة المتعسرة، في انتظار تسميتها، والتي مهما كانت مخرجاتها، فتبقى وسيلة لا غاية.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد