الحرب كعمل إنساني

المدينة التي دخلها الحوثيون بأسلحتهم الخفيفة والثقيلة معاً، أبناؤها من أقوى المثقفين والكفاءات البشرية اليمنية، وقد حدث لمدينتي أن صدّرت إلى أوروبا وكل العالم الكوادر الجيدة.

عربي بوست
تم النشر: 2017/04/05 الساعة 02:01 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/04/05 الساعة 02:01 بتوقيت غرينتش

خرج اليمنيون، في يناير/كانون الثاني 2014، بأقوى مسودة دستور في تاريخهم، محاكاة لحضارة جديدة. وفقاً للتاريخ: بعد كل حوار يقوم صالح بالمشاركة فيه يشن، بمعية عصابته، الحرب بالغة الضرر على اليمنيين.

المعادلة التاريخية تلك لم يفهمها اليمنيون سوى بعد حوار كبير، برعاية أممية وعربية، وبعد أن قام صالح بحرب جديدة متجاوزاً، هو والحوثي، كل التفاهمات السياسية، يعتبر صالح الرجل الذي أشعل الحروب في كل المدن اليمنية، بمزاجية تامة، ويزعم أن اليمن خُلقت له، وهي جغرافيا تخصه.

لنكُن دقيقين: 20 مارس/آذار، منذ سنتين، دخل الحوثيون مدينة تعز، مدينتي، شكَّل هذا الدخول الحدث الأقوى بربرية، والأكثر إيلاماً، الذي تقدمه المحاكاة الغبية للطبيعة هدية للتاريخ، نقلوا كل ميليشياتهم، الألوية العديدة والقوية، لمواجهة شباب مجرد من السلاح: دكاترة، جامعيين، كتّاب، مثقفين، فنانين، معلمين، طلاب.

المدينة التي دخلها الحوثيون بأسلحتهم الخفيفة والثقيلة معاً، أبناؤها من أقوى المثقفين والكفاءات البشرية اليمنية، وقد حدث لمدينتي أن صدّرت إلى أوروبا وكل العالم الكوادر الجيدة.

تكراراً للأعمال الثورية السلمية، التي هزت صالح في ثورة فبراير/شباط، وقف أبناء المدينة لصد هذه الفانتازيا التراجيدية.
السماء تكتظ بالدخان الأسود، فقد أشعل الثوار الإطارات في كل شوارع المدينة، شاب أنهكه الزمن والمرض معاً، يمسك بقنينة بلاستيكية ممتلئة بالماء والسكريات ومتصلة بيده، ويقول في وجه الشياطين: "نحن سلميون يا كل العالم، وقد جاءوا لمدينتي التي لا تشبه كل المدن".

ونحن نذهب لمظاهرة أمام الميليشيات، سألني صديقي، متلاشياً في بوشكين: "ضللنا الطريق فما عسانا فاعلون؟ الشيطان يجرنا هنا وهناك، ويديرنا إلى كل الجهات، ما عددهم وإلى أين يسيرون مسرعين؟ ماذا تعني أغنيات الحداد هذه التي يرددونها؟ أهم يدفنون أحداً من أهلهم؟ أم أنهم يزوّجون ساحرة؟".

دخل الحوثيون ولم يفكروا دقيقة أو دقيقتين، أنهم عبارة عن كارثة، وفجوة مظلمة، في واحدة من أقوى المفارقات، المضحكة المبكية والمخيفة المرعبة في آن: المدينة التي تنام متكئة على تل، وتصحو دائماً لمحاولة السير نحو الحداثة وما بعدها، يأتي الظلاميون ويجعلونها عمياء، كتبت على صفحتي الفيسبوكية: لم ينتهِ الأمر بعد، حتى والحوثيون، كما لو لم يجدوا في ما يفعلونه متعة، قد قتلوا أبناء المدينة منذ الوهلة الأولى لدخولهم إليها، لم يحدث هذا في كل الأيام، وكل الأزمنة".

وضع صالح والحوثي أبناء المدينة أمام خيارين: فقدان كل شيء، أو الموت، لم يكن قراراً مزاجياً، ولم نخدع التاريخ ولم نكذب عليه، ولم نؤلمه.

في 25 مارس/آذار 2015 وما بعده، تشكلت طلائع المقاومة الشعبية، في الحرب ضد النازية، تصالحت الدولة السوفييتية والحزب الشيوعي مع الكنيسة الأرثوذكسية وأبناء الديانات والإثنيات غير الروسية. وفي الحرب ضد الفرنسيين والأميركيين في فيتنام، تصالح الشيوعيون مع القوميين، واللادينيون مع البوذيين والكاثوليك، إنه منطق التاريخ وقوانينه تفرض نفسها على الجميع، وهو ذلك المنطق الذي فرض نفسه على كل الألوان في مدينتي، وشكلت مقاومة منقطعة النظير.

تشبه تعز إلهة الحرب أثينا، لا تستمتع بالحرب، ودائماً ما تحل النزاعات والمحافظة على القانون بطرق سلمية، لا تحمل السلاح في زمن السلم، وإذا احتاجت إلى واحد فإنها تستعيره، كما تستعيره أثينا من زيوس، لا تخسر عندما تخوض المعارك، والقادة الحكماء يتقرّبون منها طلباً للمشورة.

هبّ أبناء مدينتي للدفاع عن أنفسهم، وبلادهم، في مقاومة أسطورية تتجاوز حدود العقل البشري.

على طريقة الأختين لينين وستالين غراد، وكما لو أنها إلهة الحرب أثينا: نفضت تعز الغبار عن نفسها، وراحت، متكئة على الجبل تارة، والمنازل تارة أخرى، وصدّرت، بمساعدة المعلمين والطلبة وباعة حلوى الطرمبة، وما تبقى من جيش الجمهورية، فنوناً قتالية جديدة للأكاديمية العسكرية العالمية، معلنة عن أنها سلمية وحربية في آن.
ولم تنسَ أيضاً أن تقول عن إنها سلمية، وهي لم تختر الحرب، وإنها حاضت الحرب غير المتكافئة، ودائماً ما تقول: نحن لا نزرع المولوتوف، ولا الألغام، ولا نجيدها.

عندما دخل الحوثيون العاصمة صنعاء، والمحافظات الأخرى، ارتكبوا جرائم موحشة ومخيفة، بحسب تقرير للمفوضية السامية لحقوق الإنسان، والمنظمات العربية والمحلية. "من يدخل المدن ليفجر ويختطف وينتهك، لن يأتي بالورود لمدينتنا"، تكهن أبناء تعز، وراحوا يدافعون عن مدينتهم، أطلق الحوثيون، بحسب المفوضية، القذائف وصواريخ غراد على المدينة، مخلفة مجازر متناثرة، تلك القذائف والصواريخ يطلقها الحوثيون منذ سنتين، وما زالوا حتى هذه اللحظة.

الحرب حدث اجتماعي شامل، إن استعرنا من موس، وكنتيجة تناغمية، فالحرب تطال، بشكل أوسع، وبوصفه عملية منظمة بين متحدين متواجهين، كل ميادين العمل الإنساني، غالباً ما يكون للحرب بعدها السياسي والاجتماعي، وقرار المقاومة كان لسياسة واحدة: استعادة الدولة والجمهورية، والدفاع عن الإنسانية، من يتخذ عنواناً آخر للمقاومة ويقول إنها نشأت لبعد خاص به، فهو ليس مقاوماً، ولن يكون.

لا بد للحرب من أجل القيام بالأعمال الإنسانية، أو كما يقول تشومسكي: الحرب / العسكرية من أجل الإنسانية. أقوى الأعمال الإنسانية والدفاع على حضارة بأكملها، ذلك هو قرار المقاومة ضد ميليشيات صالح والحوثي، العمل الإنساني الأقوى والأوحد، المنتج لكل الأعمال الطيبة.

تكتب تعز عن طريق المقاومة مصنفاتها الحربية الخاصة، على طريقة كزينوفون وكلاوزفيتس، وتعز هي الدالة الكبرى المحددة لكل الدالات؛ ليذهب الشيطان، وما تبقى ليس صعباً.

لقد سمّى السوفييت حربهم الحرب الوطنية العظمى، وسمّى الفيتناميون حربهم حرب التحرير، وتعز تسمّي حربها: الدفاع عن الجمهورية والإنسانية معاً، ذلك أنه اختلف لغة القاموس السياسي، وبقي الجوهر الإنساني.

يمشي أبناء مدينتي، بطريقة أو بأخرى، نحو الجمهورية والدفاع عن الإنسانية، وهم يمشون، بمعية عدنان الحمادي الجمهوري، يتذكرون مأرب الفرجار والبطل القشيبي الأعرج، ويصنعون منهما، بطريقتهم الخاصة، طريقاً مستقيماً لكل الليالي والأزمنة والمجد الكامل لليمنيين.

عاشت المدن التي خاضت الحروب، كما مدينتي، أفظع ضروب الشتات الإنساني، حتى بعد الحرب.

إذا لم يكن الهدف أن تصبح الإنسانية نتيجة حتمية للحرب بعد أن تنتهي ويزول سببها في مدينتي، وفي أي مدينة، فلا فائدة من المعارك، والحروب في الأصل، وسنصبح أمام معارك جزافية، غبية، بلا حكمة ولا مشروع واضح.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد