عندما تُزين المقبرة بالرايات

جاء في العناوين الرئيسية لهذه المجازر عبارات النصر والتحرير، تحرير الموصل من داعش، وفي التفاصيل تحرير الموصل من أهلها الذين تمسكوا بترابها ورفضوا النزوح، أو ربما لم يسعفهم الموت فدُفنوا تحت أنقاضها، وتحت تربتها.

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/29 الساعة 04:33 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/29 الساعة 04:33 بتوقيت غرينتش

لعلنا لم ننسَ التفجير الإرهابي الذي حصل قبل أيام قليلة في لندن، والذي قتل فيه ثلاثة أشخاص، كيف تعاطف العالم مع ما سمّوه "الكارثة الإنسانية"، دعونا نحن أيضاً نسميها بنفس الاسم؛ لأن العمل الإرهابي لا يختلف على نبذه عاقل، ولكن ماذا نسمي الجرائم التي تحصل في الموصل الآن على مرأى ومسمع من العالم كله، والمجرم يدعي الديمقراطية والحرية؟ ماذا نطلق على أحدث جرائم العصر التي تجاوز عدد ضحاياها قدرة المقابر على استيعابها وقدرة الإنسان على دفن أحب الناس على قلبه؟

جاء في العناوين الرئيسية لهذه المجازر عبارات النصر والتحرير، تحرير الموصل من داعش، وفي التفاصيل تحرير الموصل من أهلها الذين تمسكوا بترابها ورفضوا النزوح، أو ربما لم يسعفهم الموت فدُفنوا تحت أنقاضها، وتحت تربتها.

أي همجية تلك التي تجعلهم يجمعون الضحايا بجرافاتهم ويلقونهم في حفر دون إلقاء نظرة على الوجوه البريئة لأسر كاملة تمسكت ببعضها حتى في مواجهة الموت الذي لم يرحم أصغر طفل فيهم؟!

الأكثر حظاً في هذه الكارثة الإنسانية مَن استطاع النزوح تحت مطر الضربات الأميركية التي لم تتوقف لحظة واحدة إلى مخيمات ليست أفضل حالاً من الموت بكثير؛ إذ يتعرضون خلال نزوحهم وعبور جبهات القتال إلى الكثير من المخاطر والإرهاق وهم يجرجرون صغارهم، ثم ينتظمون في طوابير طويلة قبل وصولهم إلى أماكن الحشر؛ حيث قدرة المخيمات الاستيعابية لم تعد تتناسب مع حالات النزوح المستمرة مع فقدان كبير للأغطية والأدوية ووسائل النجاة الأولية.

في الوقت ذاته ومع ارتفاع وتيرة الموت والنزوح وتعاظم تفاصيل هذه الكارثة الإنسانية وهذه الحرب القذرة التي استخدمت فيها جميع الأسلحة المحرمة دولياً، التي أبادت البشر والحجر، وقوَّضت أركان المدينة على رؤوس أهلها، ما زالت قوات التحالف مستمرة في غيّها وفي شراسة ضرباتها التي تدعي أنها توجهها لداعش دون أن تفكر بمصير الآلاف من الأهالي الذي أصبحوا بين مطرقة ضرباتهم وسندان النزوح البغيض.

وقد ذكرت عدة وكالات أنباء محلية أن 700 شخص قُتلوا الأسبوع الماضي بسبب القصف الجوي الذي تنفذه طائرات التحالف الغربي وطيران الجيش المحلي الذي تدعمه الولايات المتحدة الأميركية.

لا شيء في هذا العالم أكثر حماقة من أن يصبح أطفالنا وقوداً لمواقد الدول التي تدَّعي المدنية وتنادي بحقوق الإنسان والأطفال.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد