بعد ست سنوات.. هل ما زال هناك تفاؤل؟

بعد كل هذا، أعود لأسأل نفسي هل يحقّ لي أن أفرح؟ وهل أمتلك الثقة بمن هم على الأرض أن يعطوني أملاً بفرحة تدوم، دون أن تنعكس بانكسار يعصف بما بقي من روح ؟

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/29 الساعة 06:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/29 الساعة 06:09 بتوقيت غرينتش

كثيرة هي الأدلة طوال السنوات الست السابقة من عمر الثورة السورية على خيانة كثير من قادة الثورة في الداخل، وارتهانهم وراء الأجندات الدولية والإقليمية، وتبعيتهم الواضحة الفاضحة للممولين، وبالتالي ارتهان القرار الثوري إلى الممول وليس إلى الثورة، ما أوصل الثورة إلى ما هي عليه الآن من الضعف والانكسار والتشرذم، رغم ما يطرأ عليها من ملامح مقاومة بين الحين والآخر.

لم يستفِد القادة في الداخل أبداً من الظروف التي أتيحت لهم لإسقاط النظام وقلب الطاولة على العالم أجمع؛ ليكونوا الرقم الصعب إقليمياً ودولياً، ما كان سيمكنهم من فرض أنفسهم، بوحدتهم وقوة موقفهم على هذه المؤامرة الدولية على الثورة، فكان أن انفرد النظام بالثورة شيئاً فشيئاً، وعمل على تفتيتها وتمزيقها وفق خطّة مدروسة بدقّة متناهية، اشترك في صياغتها أصدقاء الثورة السورية "كما يزعمون" قبل أعدائها.

إنّ المعركة التي بدأت في أحياء جوبر والقابون والمناطق المحيطة في دمشق، وإنْ كانت حقّقت انتصارات مفاجئة للجميع، إلا أنّها من ناحية أخرى – وهي الأهمّ والأخطر- كانت أشد ألماً على كل متابع لما جرى في السنوات الماضية في سوريا عامّة ودمشق وريفها وغوطتيها خاصّة.

هذا الألم النابع من معرفتنا الأكيدة لمدى هشاشة النظام بجيشة وشبّيحته ومرتزقته الذين جلبهم من بقاع مختلفة من الأرض أمام أيّ معركة يخوضها الثوار على ثرى سوريا؛ حيث يكون النصر وحده هو الخيار المتاح والحاصل.

فيما نبقى نكرّر السؤال نفسه: ما الذي يمنع الثوار من فتح الجبهات وإحراق الأرض تحت جيش النظام والميليشيات المساندة له؟ دون أن نحصل على جواب غير كلمة واحدة هي "الخيانة".

سأترك الأهل في سوريا يعيشون لحظة الفرح بما حققه ثوار الغوطة في جبهة جوبر القابون؛ لأعيش مرارة الألم، وأنا أتصفح شريطاً من الأحداث يمر أمام عينيّ، عمّا خسرناه على جميع المستويات بسبب حالة الفرقة التي عاشها قادة الثورة، وعجزهم عن التكتل وراء قائد واحد وجيش واحد، يكون الوجه الحقيقيّ المشرّف لثورة كانت الكرامة والحريّة والعدالة عناوينها الأبرز.

مرارة أعيشها وأنا أتذكّر إفراغ مدينة داريّا بالكامل من أهلها ومقاتليها؛ ليتسنى لإيران بناء ضاحيتها الشيعية في دمشق ما بين سفارتها إلى أتوستراد المزة ومقام سكينة في داريا، بعد تفريغ الآلاف من سكان المزة في تلك المنطقة.

مرارة أعيشها وأنا أتذكّر مقاتلي معضميّة الشام يتوجّهون إلى إدلب مع عائلاتهم؛ لتصبح المدينة خالية من أي قطعة سلاح بعد أن كانت شعلة من شعل الثورة الضاربة للنظام.

مرارة أعيشها وأنا أتذكّر مقاتلي خان الشيح والتل وقدسيّا، يتركون بيوتهم وأهلهم متوجهين مع عائلاتهم إلى الشمال؛ ليتسنى للمجتمع الدولي تأمين محيط دمشق من السلاح والمقاتلين.

مرارة أعيشها وأن أعيش تفاصيل أكبر تهجير للثوار في سوريا من حيّ الوعر في حمص؛ لتصبح المحافظة تحت يد النظام بعد أن شرّد مليوناً من أهلها في سبيل التغيير الديموغرافي.

مرارة أعيشها وأنا أتذكر أيام كان نظام الأسد بجيشه العرمرم يسيطر على كيلومترات مربعة قليلة وسط العاصمة دمشق، فيما كانت المعارك في أوجها في القابون وبرزة وجوبر ومخيم فلسطين والحجر الأسود ويلدا وببيلا وغوطة دمشق الشرقية وداريا والمعضّمية والتل والقلمون.. إلخ.

مرارة أعيشها وأنا أتذكر انتصارات جيش التوحيد في حلب، وصمود الثوار في بابا عمرو والفتوحات في إدلب وريف حماة، وريف حلب وحلب ودير الزور وحوران وغالبيّة المناطق في عموم سوريا، جاعلة الثورة تبسط أجنحتها على ثمانين بالمائة من مساحة سوريا.

لماذا؟ كلمة استفهام تختصر الكثير من المشهد السوري ونحن نمرّ بالذكرى السادسة لانطلاق الثورة؛ إذ يكفي أن نضع وراء هذه الكلمة بضعة أسئلة؛ لندرك حجم المأساة ومرارتها!
لماذا لم يتوحد الثوار في دمشق وغوطتيها، بل وريفها الممتد إلى القلمون إلى الكسوة جنوباً تحت راية واحدة، وقائد واحد وجيش واحد؟ هل كان النظام ليصمد كل هذه السنين حتى لو اجتمعت جيوش الأرض نصرة له، لولا تهاون قادة الثورة؟! هل كنا لنصل إلى الذكرى السادسة من الثورة ونحن أبعد ما نكون عن رؤية واضحة لما سيكون عليه الحال في سوريا المستقبل؟ وسط غموض لا يعرفه إلا من يخطط له من قوى كبرى، يسعى كل منها للحصول على حصته، من أرضنا وثرواتنا وأموالنا، والمصيبة أن يكون ذلك بدمائنا ومن دمائنا؟

لماذا لم يكمل ثوار حوران طريقهم إلى معضمية الشام وداريا لكسر الحصار واقتحام دمشق من مدخلها الغربي؟ ولماذا لم تفتح معركة الساحل وتستمرّ لتكسر النظام الطائفي في حاضنته الشعبية؟ ولماذا عجز ثوّار حمص عن التوحد تحت قيادة واحدة؟

لماذا استفرد النظام ولا يزال بالمناطق واحدة تلو الأخرى ولم تقم باقي المناطق بإشعال الجبهات للتخفيف عن إخوتهم في الثورة؟ ألسنا أبناء بلدٍ واحد؟! خرجنا في سبيل هدفٍ واحدٍ وهو إسقاط النظام؟

ألم يكن تنازل القادة لبعضهم في سبيل هدف أسمى هو إسقاط النظام، كفيلاً بوقف عذابات السوريين الذين يموتون يومياً، جراء قصف طيران النظام والطيران الروسي وطيران التحالف والميليشيات الشيعية والحرس الثوري وحزب الله وغيرهم؟

ألم يكن تنازلهم لبعضهم، فيما لو حصل، كفيلاً بإنهاء عذابات مئات الآلاف في سجون الموت، بل ينهي مأساة ملايين السوريين؟ ويخفّف علينا عذاباتنا ونحن نستذكر آلاف الحرائر المعتقلات والأطفال المعتقلين؟
ألم يكن تنازل الثوار لبعضهم البعض ليضع حداً للموت الذي يفتك بالسوريين في كل يوم حتى اللحظة، وإلى أمدٍ غير منظور؟
من الملوم عن كل هذا؟ ومن المسؤول؟
هم كثر وهذا أكيد، لكن الأكثر تأكيداً هو عجزنا عن إنتاج جسد ثوري حقيقي شبيه بالثورات الكبرى التي قادت حركات التحرر العالمية في القرن العشرين.

بعد كل هذا، أعود لأسأل نفسي هل يحقّ لي أن أفرح؟ وهل أمتلك الثقة بمن هم على الأرض أن يعطوني أملاً بفرحة تدوم، دون أن تنعكس بانكسار يعصف بما بقي من روح ؟ جوابي هو "لا" .. لكن سأترك للسوريين أن يفرحوا فرحة لا أظنها ستطول، داعياً أن يكون ظني خاطئاً.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد