قيل إن رجلاً من العرب هجم اللصوص على إبله فأخذوها، فلما ابتعدوا صعد على تل قريب وجعل يسبهم، ثم رجع إلى قومه، فسألوه عن مصير الإبل، فقال أوسعتهم سباً وذهبوا بالإبل، فضربت به العرب المثل لمن لم يكن عنده إلا الكلام.
عندما قرأت هذه القصة في كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب للنويري، تذكرت الحالة النفسية التي يعيشها معظم العرب من حكام ومحكومين، وقارنت حال معظمنا بحال هذا الرجل، فوجدت أننا نعيش مثله، وجل بضاعتنا الكلام، بل إن البعض منا أصبح يتخوف من مجرد الكلام، ولكن يجب أن أنوه بأن حالة هذا الرجل كانت استثنائية جداً عند العرب؛ لأنهم كانوا -وأتمنى أن يعودوا- من أكثر شعوب الأرض مروءة وشهامة، فحالة هذا الرجل صدمت المجتمع الذي كان يعيش فيه، حتى أصبحوا يضربون بها المثل في الجبن والعجز.
فلو تكلمنا عن أغلب حكامنا الآن لوجدت أن علاقتهم مثلاً بالكيان الصهيوني لا تختلف كثيراً عن هذا الرجل الذي برر لقومه أن اللصوص أخذوا الإبل مقابل الشتيمة التي كالها لهم، وهو بهذا سينام قرير العين مرتاح الضمير، فقد قام بواجبه المطلوب منه من شتم وسب، كذلك ستجد معظم حكامنا الأشاوس يجاهرون بشتم ما يسمى بإسرائيل، ويقولون إنها عدونا الرسمي الرئيسي، وسبب كل البلاوي التي تعيش فيها أمتنا، ويتفننون في شتم الكيان الصهيوني البغيض، ويرون أن هذا مقابل عادل للأرض التي اغتصبت، والدم الذي سُفك، تستطيع أن تقول إنهم ابتدعوا مبدأ الشتم مقابل الأرض، ورضوا به بل وأحبوه.
بل دعني أخبرك أن هذا النوع الذي أتعرض له الآن باللوم والتقريع لم يعد موجوداً إلا في النادر، وأصبحنا نحن كشعوب نعد الحاكم الذي يشتم الكيان الصهيوني -يشتمه فقط- من شجعاننا وأبطال أمتنا الذين ننتظرهم من قرون؛ ليحررونا من ربق عبوديتنا للغرب المستعمر، بل إننا قد نسمي أبناءنا على اسمه لعل الولد يقتبس بعضاً من شجاعة هذا الحاكم الذي تجرأ وسب إسرائيل.
تستطيع أن تسقط كل ما سبق على إيران، فأظن أن عداوة إيران وقعودها لأهل السنة في كل مرصد لم يعد خافياً على أحد، ولكن معظم القائمين على أمور أهل السنة يقومون بواجبهم في الشتم على أكمل وجه، ويتركون إيران تصول وتجول بميليشياتها في كل حدب وصوب.
وحتى لا تحسبوني ظالماً فأنا لا أريد أن أغفل أننا تطورنا عن الأعرابي محل المثل، ولم نعد نكتفي بالكلام والشتم، لقد أصبحنا نغني لنحرر أراضينا بل ونرقص أيضا، وما عرب أيدول منا ببعيد.
أما نحن كشعوب من حيث تعاملنا مع طغيان حكامنا، فهذا الرجل الذي ضرب به المثل لو وجد فينا لاعتبرناه مجنوناً؛ لأنه تجرأ وسب الحاكم الظالم الذي يسرق منه قوت يومه، ويدمر بلده ويقتل أبناء شعبه؛ لأن من يفعل ذلك فهو يضحي بأثمن ما يملك فرد من شعب مقهور، هو يضحي هنا بحياته، تلك الحياة التي لولا حرصنا عليها لما تجبر الطاغية، ولا نامت له عين، فهو لم يتجبر إلا عندما تأكد أن الشعب الذي ركب فوق رأسه هو شعب خانع، يحافظ على حياته كما يحافظ البخيل على ماله، على الرغم من أنه لا ينتفع منها بشيء.
بعد أن كان المثال الذي يحتذيه العربي قول الشاعر عمرو بن كلثوم:
إذا ما الملك سام الناس خسفاً ** أبينا أن نقر الذل فينا
أصبح الشجاع فينا مَن يوسع الحاكم الظالم سباً وشتماً، فيا بني قومي متى نعود لأصلنا ولا نقر الذل فينا؟!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.