في السادسة قهراً لذكرى اندلاع الثورة السورية

منذ عشرة أيام مضت أو أكثر لم أستطِع أن أتواصل مع أحد من أصدقائي الإعلاميين والصحفيين بمن فيهم من مراسلين في الداخل السوري أو في المنفى يساهمون في إعلام الثورة، وطبعاً جميعهم انصرفوا بكل ما فيهم من اندفاع للتحضير لتلك الذكرى المهولة، فهم يعملون ليل نهار دون كلل أو ملل؛ ليقدموا أفضل ما لديهم، وليفوزوا بالسبق الصحفي والبحث عن أفضل تقرير أو فيلم أو توثيق، وهدفهم واحد هو فضح الجرائم، وإيصال صوت 24 مليون سوري يتجرعون القهر في كل لحظة.. لكن إلى مَن؟ مَن المسؤول عن سماع صراخ سوريا والطبطبة على جراحها وإيقاف الدمار الشامل؟!

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/25 الساعة 05:15 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/25 الساعة 05:15 بتوقيت غرينتش

سوريا التي لطالما أمطرت سماؤها بالخير والحب سقت ورودها بدماء الشهداء، واليوم سينعونها للمرة السادسة على التوالي شهيدة الظلم.

اليوم سيكتبون عن ذكرى الثورة السورية، عن الخذلان عن الوحشية والتدمير، اليوم ستمتلئ صفحاتهم بكل ألوان الشتيمة والندب والاستنكار وتوجيه الاتهامات لبعضهم البعض، اليوم سيعلقون كل الهزيمة على المؤامرة الكونية، واليوم ستضج كل الأقنية العالمية بالصور والمقالات وستفتح حوارات يتجادلون فيها عن ما يتوقعونه وما ستؤول إليه حال الثورة المنكوبة، اليوم ستنبش القبور وتذكر محاسن الموتى، اليوم سيكررون نفس الخلاف المعتاد على التاريخ الصحيح لبدء الثورة ما بين 15 و18 مارس/آذار ليضعوا ثلاثة أيام كعلامة فارقة، وكأنها ستحوّل مجرى التاريخ، اليوم سيعرضون دماءنا على الشاشات ووسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمكتوبة كشاهد على الجريمة التي لا محقق ولا قاضي سيحكم بأمرها، اليوم سيستجدون دول العالم بما فيها من قوى مشاركة وصامتة ومتصارعة في سوريا وسيتسابق الجميع ليعرض إنجازاته من أفلام ووثائق واستقصاءات تفضح شلال الدم المنسكب دون توقف منذ ست سنوات متواصلة.

منذ عشرة أيام مضت أو أكثر لم أستطِع أن أتواصل مع أحد من أصدقائي الإعلاميين والصحفيين بمن فيهم من مراسلين في الداخل السوري أو في المنفى يساهمون في إعلام الثورة، وطبعاً جميعهم انصرفوا بكل ما فيهم من اندفاع للتحضير لتلك الذكرى المهولة، فهم يعملون ليل نهار دون كلل أو ملل؛ ليقدموا أفضل ما لديهم، وليفوزوا بالسبق الصحفي والبحث عن أفضل تقرير أو فيلم أو توثيق، وهدفهم واحد هو فضح الجرائم، وإيصال صوت 24 مليون سوري يتجرعون القهر في كل لحظة.. لكن إلى مَن؟ مَن المسؤول عن سماع صراخ سوريا والطبطبة على جراحها وإيقاف الدمار الشامل؟!

فعداد الموت في تزايد، وعلى حد تقديري أو قراءتي للإحصائيات وثّق مقتل ومصرع ما يفوق الـ22 ألف شخص بينهم ما يزيد على 11 ألف طفل و7 آلاف أنثى، وأعداد النزوح في تزايد، فهناك نحو 6 ملايين لاجئ خارج البلاد، ونحو 6 ملايين أخرى غادروا بيوتهم إلى أماكن أخرى في الداخل بين نازحين في المخيمات أو باحثين عن مدينة آمنة، ناهيك عن أولئك الفارين من الموت إلى الموت في رَحْل القوارب المطاطية.

ولا يمكن تجاهل وجود حوالي نصف مليون مصاب ومعاق، والدمار يفوق 50% من البنية التحتية للبلاد ليحرم جيلاً كاملاً من أدنى وسائل الحياة ومستلزماتها، وفي الوقت نفسه ينصرف الجميع عن الهدف الأسمى للثورة، ولا أعلم أهم يتناسون أم ينسون أم يجهلون معنى الحرية التي خرجوا من أجلها في البداية؟ وكانوا فقط يرددون حروفاً لا يعون معناها، فالحرية التي صدحت حناجرهم بها لا تشبه ما آلت إليه أفعالهم اليوم، والحرية التي كبدتهم كل تلك الخسائر لن تأتيهم دفعة واحدة؛ لأنها ستبدأ عندما يخرج الفاسدون من ظلمات فسادهم.

لقد تحولت حريتنا إلى مطالب متواضعة جداً كإطلاق سراح المعتقلين وتوفير الحد الأدنى من فرص العمل، وصار هذا ما يشكل منتهى طموح الشعب السوري.

للأسف بعد 6 سنوات اختفى عن المشهد من نادى بالحرية الصادقة، إما سافر خارج البلاد، أو اكتفى بالصمت؛ لبروز قوى جديدة على الساحة السياسية العسكرية فرضت سيطرتها بالمال والسلاح والدعم؛ ليضطر أولئك للمعارضة بصمت بعيداً عن أي نشاط ثوري، تاركين الملعب للتدخلات الدولية والنزاعات على تقسيم البلد؛ لأن البطل فيهم مَن يفوز بالحصة الأكبر والأفضل استراتيجياً بعيداً عن أي مفهوم للإنسانية، متجاهلين دور الشعب السوري وحقوقه بالوطن والمواطنة.

أما عن الفصائل وقادتها، فهم منصرفون للاقتتال وتوجيه الاتهامات والتخوين وتعليق الأخطاء على بعضهم البعض، يتصارعون على المكاسب والمناصب؛ ليتحول النضال إلى اقتتال فيما بينهم، ولتصبح سوريا أشلاءً لا مكان فيها للسلم، فيُحل كل طرف من الأطراف دم الآخر دون أي حق، فيخلف الموت صوراً لا تمحى في صراع أهلي سوري.

تحول الشهداء في سوريا إلى إنفوغرافيك؛ حيث تعتصر قلوبنا مشاهد الموت الجماعي والمجازر التي تفوق حدود الخيبة.. هولوكوست.. إبادة جماعية تجري تحت أنظار العالم بأكمله، ولا شيء سوى استنكارات وخدع ومزيد من الأسى والانتهاكات الدامية؛ حيث أصبح القتل سهلاً، بل سهلاً جداً.

شعب بأكمله يرزح تحت وطأة الحرب غير المتعادلة، شعب أعزل وأطفال تصرخ، ونساء بلا مأوى، ولا شيء سوى أرقام، حتى الأرقام باتت لا معنى لها في ظل هذا الإجرام؛ لتضج الصفحات الإعلامية بمجزرة هنا وهناك.

أما عن الأنذال الذين باعوا كرامتهم، فقد استوقفني مقتطف من كتاب طبائع الاستبداد لعبد الرحمن الكواكبي حين يقول:
"الحكومة المستبدة تكون طبعاً مستبدة في كل فروعها، من المستبد الأعظم إلى الشرطي، إلى الفراش، إلى كناس الشوارع، ولا يكون كل صنف إلا من أسفل أهل طبقته أخلاقاً؛ لأن الأسافل لا يهمهم طبعاً الكرامة وحسن السمعة، إنما غاية مسعاهم أن يبرهنوا لمخدومهم بأنهم على شاكلته وأنصار لدولته وشرهون لأكل السقطات من أي كانت، ولو كان بشراً أم خنازير، آباءهم أم أعداءهم، وبهذا يأمنهم المستبد ويأمنونه فيشاركهم ويشاركونه".

وعندما يأتي كبيرهم أو عظيمهم يواسي الأمة يقول: يا بؤساء هذا قضاء من السماء، لا مرد له، فالواجب تلقيه بالصبر والرضاء والالتجاء إلى الدعاء، فاربطوا ألسنتكم عن اللغو والفضول، واربطوا على قلوبكم بأهل السكينة والخمول، وإياكم والتدبير، فإن الله غيور، وليكن وردكم اللهم انصر سلطاننا وآمنا في أوطاننا واكشف عنا البلاء أنت حسبنا ونعم الوكيل.

ليتنا نعمل كل يوم كما عملنا اليوم من أجل ذكرى ثورتنا المباركة يداً بيد، ليتنا نتوحد جميعاً على هدف واحد هو سوريا الحرة، ونرفع راية الحق، فنتعاون ليعم السلام ونحيا بسلام؛ علنا نحتفل في السابعة انتصاراً.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد