انتفاضة موءودة وثورة مغدورة والأسباب واحدة

تلك الهبَّة الجماهيرية الدفاعية العفوية قامت من أجل أن تتحول إلى انتفاضة ثورية بروح كردية وأهداف وطنية سورية عامة لو توافرت شروطها الذاتية والموضوعية، ففي الأولى افتقد الشارع الكردي إلى قيادة سياسية كفؤة مؤمنة بإرادة الشعب وبمبدأ التغيير الديمقراطي

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/22 الساعة 04:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/22 الساعة 04:07 بتوقيت غرينتش

في الثاني عشر من مارس/آذار 2004 هبَّت الجموع الغفيرة في مدينة القامشلي في وجه جلاوزة سلطة الاستبداد دفاعاً عن كرامة الشعب عندما استغل نظام الأسد مناسبة مباراة رياضية لتحويلها إلى معركة كسر عظم وتخويف أهلنا وتوجيه ضربة استباقية لترهيب الوطنيين الكرد ومناضلي الحركة الكردية الذين كانوا بغالبيتهم دائماً وأبداً في صف معارضي نظام الاستبداد، إلى جانب توجيه رسائل تحذيرية إلى الجوار، وخاصة إقليم كردستان العراق، الذي حقق خطوات مهمة نحو ترسيخ الفيدرالية وتعزيز الاستقرار وإعادة بناء البنية التحتية، لتوفير شروط تحقيق النهوض القومي وتعميق تجربته الديمقراطية الوليدة بعد إسقاط الديكتاتورية في العراق.

تلك الهبَّة الجماهيرية الدفاعية العفوية قامت من أجل أن تتحول إلى انتفاضة ثورية بروح كردية وأهداف وطنية سورية عامة لو توافرت شروطها الذاتية والموضوعية، ففي الأولى افتقد الشارع الكردي إلى قيادة سياسية كفؤة مؤمنة بإرادة الشعب وبمبدأ التغيير الديمقراطي وبمعارضة نظام الاستبداد، وبدلاً من وقوف قيادات (مجموع الأحزاب الكردية) -حيث كانت بهذا الاسم آنذاك- إلى جانب الجماهير المنتفضة انضمت إلى صف اللجنة الأمنية من كبار جنرالات المخابرات (علي المملوك وبختيار ومنصورة…) التي أرسلها رأس النظام على عَجَل لوقف تلك الحركة التي قد تتطور إلى ثورة عارمة، وعقدوا معاً اجتماعاتهم في منزل متزعم اليمين الكردي، وهو رجل النظام في كل المواسم وخرجوا بقرارات لوقف التحرك تحت بند التهدئة، بعد تضحيات جسام وعشرات الشهداء من بنات وأبناء شعبنا.

أما شأن العامل الموضوعي على الصعيد الوطني العام، فلم يكن بأفضل حال من العامل الذاتي الكردي، ولم تكن الحركة الوطنية السورية المعارضة بوضع يؤهلها للتجاوب مع حركة المقاومة التي بدأت في القامشلي وامتدت إلى معظم المناطق، وخصوصاً حلب وعفرين ودمشق؛ بل إن البعض ممن كانوا محسوبين على الحركة الديمقراطية السورية وقف إلى جانب النظام وتبنَّى خطابه، وقام بعضهم بحركات بهلوانية باسم التوسط والسعي للخير، كل ذلك وخصوصاً ممارسات قيادات الأحزاب الكردية أدى إلى وأد الهبَّة الكردية الدفاعية في المهد.

وفي أواسط مارس/آذار عام (2011) كان موعد السوريين مع أنبل انتفاضة ثورية شهدتها بلادهم ضمن موجات ثورات الربيع في بعض بلدان المنطقة؛ حيث بدأت تعبيراتها الأولية بالعاصمة دمشق وتجسيدها الفعلي في مهدها (درعا)، ومن ثم انتشرت في غالبية المناطق والمدن والبلدات تحت شعار الحرية والكرامة، وانتقلت بعد الرد الدموي من نظام الاستبداد ورفضه أية خطوة إصلاحية إلى طور أرقى، وهو شعار إسقاط النظام والتغيير الديمقراطي، خاصة بعد تلاحم الحراك الوطني الثوري العام وقوته الأساسية تنسيقيات الشباب مع طلائع الجيش الحر.

منذ البداية كان للشباب الكرد ووطنييهم المستقلين مشاركة فاعلة في إدارة الصراع السلمي ضد النظام في المناطق الكردية، ولم يمضِ عام حتى تحركت الأحزاب التقليدية ليس ضد السلطة الحاكمة؛ بل بمواجهة الحراك الشبابي باسم الحيادية وتجنيب المناطق الخراب وذهب "ب ي د" أبعد من ذلك؛ حيث عقد صفقة مع النظام بدعم إيراني وجلب آلاف المسلحين من قنديل بهدف عزل الكرد عن الثورة، وخدمة مشروع نظام الأسد، وتجيير كرد سوريا لمصلحة معارك حزبه الأم ضد تركيا، وضد إقليم كردستان العراق على حساب القضية الكردية في سوريا.

واجهت الثورة السورية منذ البداية تحدي سيطرة الإسلام السياسي، وخصوصاً الإخوان المسلمين؛ حيث استغلوا الجغرافيا التركية والمال القَطَري من أجل أسلمة وأخونة الثورة، وكان ظهور (المجلس الوطني السوري) بتلك الطريقة المريبة تجسيداً فعلياً لذلك التوجه بسيطرة الإخوان واستبعاد المناضلين الوطنيين الصادقين، وجلب زمرة من الانتهازيين المتعلقين بالمصالح الضيقة باسم الديمقراطيين والليبراليين والكرد، والعمل من أجل تطويع شرفاء الجيش الحر ووضعهم أمام خيارين: إما الانتساب للإخوان، أو التجميد والتجويع، مما أفسح ذلك المجال لتكاثر الجماعات الإسلامية وانتشارها في مختلف المواقع.

بعد مرور عدة أعوام، وبسبب ضيق الخناق على الثوار وسيطرة الإسلاميين وتراجع المد الشعبي، تدخل النظام العربي الرسمي بدعم تركيا لإعادة التموضع بعد فشل المجلس، فعقدوا اجتماعاً بالدوحة لإعلان (الائتلاف) الذي لم يكن إلا امتداداً لسلفه مع بعض الرتوش وإفساح المجال للوافدين الجدد من صلب النظام، بحيث اختل الميزان نهائياً لمصلحة التوجه الداعي إلى التصالح مع النظام، والتخلي عن أهداف الثورة الحقيقية.

ما نشهده الآن من تراجع للثوار واندفاع سريع نحو التفاوض مع النظام وقبول كل مؤسساته بمثابة حصاد ما زرعه الإخوان المسلمون منذ البداية، وهم بالإضافة إلى الأحزاب التقليدية والجماعات والتيارات القومية واليسارية الانتهازية يتحملون المسؤولية الرئيسية في هزيمة الثورة، وانتصار النظام وأعوانه وحلفه غير المقدس، والمسألة برمتها تحتاج إلى المزيد من المراجعة بواقعية وجرأة.

لا شك أن إرادة السوريين وفي كل الأحوال تبقى هي الحاسمة، وأمامهم فرصة تاريخية للعمل من أجل إعادة بناء حركتهم الثورية، والوفاء لدماء شهداء الحرية والكرامة، واستكمال الخطوات السابقة، وتتويجها بمؤتمر وطني جامع لصياغة برنامج سياسي واضح، وانتخاب مجلس سياسي – عسكري لمواجهة كل التحديات، وإعادة هيكلة ثورتهم المغدورة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد