جسم الأمة المريض.. التشخيص يسبق العلاج

الأمة بحاجة إلى أطباء مخلصين ومتخصصين في جميع علل الأمة (الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، والثقافية، والفكرية، والتربوية، والعلمية، والدينية، والحضارية..)؛ ليشخِّصوا حال الأمة في كل هذه المجالات؛ لأن الأمة بالفعل تنزف من جميع هذه الجوانب (الأعضاء).

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/18 الساعة 03:32 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/18 الساعة 03:32 بتوقيت غرينتش

المتفق عليه، والأصل في حال مرض الجسم الإنساني أن يتم تشخيص حالة المريض ومعرفة أسباب العلة أولاً، ومن ثم يصرف له العلاج المناسب لهذا المرض دون أن يكون لهذا العلاج أضرار جانبية أو مضاعفات أخرى.

والأمة (العربية والإسلامية) شبيهة بجسم الإنسان، وقد شبهها -عليه الصلاة والسلام- بأنها (كالجسد الواحد..)، وحالها في هذا العصر لا يخفى على ذي لُب، وهي في حاجة ماسَّة إلى أطباء مهرة (مفكرون، علماء، فلاسفة، خبراء..) يُشخِّصون أمراضها بدقة، من خلال أدوات التشخيص المعتبرة، ومن ثم يضعون لها العلاج الناجع، الذي يعالج أوجاعها ويشفيها من أدوائها.

وواقع الحال يخبرنا بكل صدق أن أطباء الأمة لم يُجمِعوا على تشخيص دقيق لمرض الأمة، بل أصبحت كل جماعة أو طائفة من هؤلاء الأطباء تُشخِّص أمراض الأمة من وجهة نظرها وتوصي بالعلاج وفق هذا التشخيص.

هناك من شخَّصَ أمراض الأمة بأنه في بعدها عن الإسلام، ولذا فإن علاجها هو عودتها إليه (الإسلام هو الحل)، هكذا دون تحديد أو تفصيل، وهناك من شخَّص أمراض الأمة بأنه في عودتها إلى تراثها وتمسُّكها به ورفض دعوات التقدم والتطور، ولذا أقترح أن تتخلى الأمة عن تراثها وتأخذ بسلّم التطور والتقدم (العلمانية هي الحل) هكذا دون تحديد للثوابت والمتغيرات، وثالث شخَّص أمراض الأمة في جانبها الوطني، وآخر في جانبها القومي، وآخر في جانبها اليساري وذاك من جانبها اليميني.. وهكذا كلٌ يدلي بدلوه تشخيصاً وعلاجاً.

ورغم كثرة وتعدد التشخيصات، وكذا كثرة ما يصرف بعدها من علاجات، فإن حال الأمة في تدهور، ليس هذا فحسب بل ظهرت مضاعفات وأعراض جانبية لهذه العلاجات التي تتناولها الأمة، حتى صار أي علاج يقدم للأمة لا يزيدها إلا مرضاً وضعفاً ووهناً، إضافة إلى ما تعانيه من أمراضها القديمة المزمنة.

وبالمقابل وفي ظل غياب التشخيص المتكامل لأمراض الأمة، نجد في واقعنا أفراداً أو جماعات يعالجون جرحاً صغيراً في جسم الأمة، دون أن (يدرك / يدركوا) أن هناك نزيفاً في الدماغ قد يؤدي إلى الوفاة، وهناك من يعالج ارتفاع درجة حرارة الأمة بالمهدئات، دون أن يدرك أن هناك ارتفاعاً في ضغط الدم قد يؤدي إلى توقف القلب، وهناك من يصرف جُلَّ جهده في علاج إصبع مكسور في جسم الأمة، دون أن يدرك أن هناك انزلاقاً في عمودها الفقري قد يؤدي بها إلى الشلل الكلي، وهناك من يعالج ويحذر من ارتفاع نسبة (الكوليسترول) في جسم الأمة، ويغيب عنه أن الكليتين أوشكتا على التوقف (الفشل الكلوي)، وهناك من يُسخِّر كل إمكانياته لعلاج الإنفلونزا التي أصيبت بها الأمة، دون أن يمد نظره إلى ما وراء ذلك من إصابة للرئتين (بالسل أو الربو)، وهناك من يجتهد ويهتم بنوعية غذاء الأمة وتنوعه، دون أن يأخذ في الحسبان أن الكبد أوشك على (التليُّف) وأن المعدة توشك على التوقف عن الهضم، وهناك.. وهناك.

الأمة بحاجة إلى أطباء مخلصين ومتخصصين في جميع علل الأمة (الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، والثقافية، والفكرية، والتربوية، والعلمية، والدينية، والحضارية..)؛ ليشخِّصوا حال الأمة في كل هذه المجالات؛ لأن الأمة بالفعل تنزف من جميع هذه الجوانب (الأعضاء).

يا أطباء الأمة.. شخِّصوا أمراض أمتكم بكل صدق وتجرد، وأخبروها بصراحة بكل أمراضها وعللها المُزمِنة والطارئة، ولا تُخفُوا عنها شيئاً حتى لا تصبحوا ممن يغشها ويطيل أمد معاناتها.

خذوا بعضاً من دمها، أو السوائل التي تجري في عروقها وأدخلوه مختبراتكم وحلّلوه جيداً، وتأكدوا جيداً من النتائج التي أظهرتها التحاليل، وإن تطلب الأمر فأدخلوا جسم الأمة المريض غرفة أشعتكم، وتأكدوا من سلامة أعضائها وعظامها، ولا تنسوا أن تأخذوا بعض الأشعة المقطعية للأجزاء الحساسة فيها (كالدماغ والقلب والكليتين والرئة والكبد)، وخذوا بما ترونه من الفحوصات والأشعة والتحاليل التي لم نذكرها ولكنها مهمة لتشخيص حال الأمة بدقة متناهية.

وعندما تصلون إلى هذه المرحلة وتطَّلعون على جميع النتائج التي أفرزتها لكم الفحوصات والتحاليل والأشعة لكل أجزاء جسم الأمة.. عندها ستعرفون أمراض أمتكم وعللها، وسيكون الدواء الذي تقررونه لعلاج أمراضها هو الدواء الذي يشفيها ويخرجها من مرضها ووهنها، دون أن يكون لهذا الدواء مضاعفات أو أعراض جانبية، وسيتقبّل جسم الأمة هذا الدواء دون أي حساسية تذكر؛ لأنه علاج جاء بعد تشخيص دقيق وعلى أيدي أطباء مهرة (وليسوا أطباء شعبيين أو مشعوذين).

لا مخرج لأمتكم يا أطباءها إلا إذا جمعتم آراءكم، واستقصيتم تشخيصاتكم، وتوافقتم على دواء يبرئ وجع الأمة ولا يزيده، ويعالج المرض ولا يقتل المريض، ويشفي الجسم ولا يشقيه.

وفقكم الله وجعل شفاء أمّتكم على أيديكم.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد