بعدما فاجأ العالم بنجاحه على منافسته كلينتون وتوليه مقاليد الحكم في البيت الأبيض، أصبح دونالد ترامب يثبت للعالم في هذه الأثناء أنه مختلف كل الاختلاف عن الذين سبقوه في الحكم، وتتجلى مظاهر الاختلاف بينه وبين الرؤساء الأميركيين في العديد من القضايا؛ إذ إن ترامب يميز نفسه بالقرارات العشوائية التي يتخذها وبمخالفته لكل الاتفاقيات الدولية وقراراته الأخرى التي تشمل توابث النظام الليبرالي.
في أول خطاب له أمام جلسة مشتركة للكونغرس كرر وعوده بفرض ضرائب على الواردات الأجنبية، وقال بأنه في الوقت الراهن، عندما نصدّر المنتجات من أميركا، العديد من البلدان الأخرى تجعلنا ندفع الرسوم الجمركية، في المقابل الشركات الأجنبية التي تصدّر منتجاتها إلى أميركا لا نجعلها تدفع شيئاً وتعهد أيضاً بأن يتم قريباً عملية بناء جدار كبير على الحدود مع المكسيك، وهو الوعد الأكثر رمزية ضد الهجرة الذي أطلقه خلال حملته الانتخابية، بحجة إعادة فرض السلامة وتطبيق القانون على الحدود.
والتزاماً بتعهداته العام الماضي، وقَّع ترامب الرئيس الجديد على أمر تنفيذي بموجبه تنسحب الولايات المتحدة رسمياً من اتفاق تجارة الشراكة عبر المحيط الهادي الذي يضم 12 دولة، كما يعتزم إجراء محادثات لبدء إعادة التفاوض بشأن اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية، والهدف من كل هذه السياسات الحمائية هو حماية الصناعة الأميركية وخلق فرص شغل جديدة، كما يقول.
لكن هل تساعد الحمائية في معالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية؟ وهل سيحقق ترامب هذا الهدف الذي جاء من أجله بتوجهات السياسة الاقتصادية الحمائية، لا سيما حل مشكلة فقدان فرص الشغل في قطاع الصناعات التقليدية الأميركية؟
من يعتقد أن فقدان الشغل في قطاع التصنيع كان نتيجة لاتفاقيات التجارة فإنه أحمق.
العديد من الدراسات النظرية والتجريبية برهنت على أن التجارة الحرة والأسواق المفتوحة تمثل أفضل سياسة لنجاح الدولة اقتصادياً واجتماعياً، وكل من يزعم عكس ذلك إليه الحجج الاقتصادية والاجتماعية التالية:
• التجارة الخارجية ليست سوى امتداد لتقسيم العمل:
هنا نتكلم عن التخصص وفقاً للقدرات والموارد، وهنا تطبق نظرية الميزة المطلقة، فهناك بلد ينتج بعض السلع بطريقة أكفأ من بلد آخر، أي أن له فيها ميزة مطلقة، ولكل بلد ميزة مطلقة في سلعة ما، وإذا كانت التجارة حرة، فسيستطيع ذلك البلد الحصول عن طريق الاستيراد على السلعة أو السلع التي له فيها ميزة مطلقة، ليس ذلك فحسب، بل إنه سيحصل عليها بتكلفة أقل مما سيكلفه إنتاجها بنفسه، وسيزيد الإنتاج العالمي من السلعتين وتزيد بالتالي الرفاهية، وينطبق نفس الشيء داخل البلد الواحد، فهناك مدن تنتج سلعة معينة بكلفة أقل من مدينة ثانية بنفس البلد.
• حرية اختيار الشريك التجاري يمكن أن تفسر على أنها حق مدني:
وبعبارة أخرى: بأي حق يمكن للدولة أن تمنع المواطنين من اختيار الشركاء التجاريين حيث يريدون؟ فالتجارة الخارجية تعزز هذا الحق وحرية الفرد بل وحرية المجتمع ككل، لأن مع افتتاح الأسواق الوطنية سيتضاعف عدد الشركاء التجاريين وتتوسع الأنشطة الاقتصادية إلى حد كبير.
• الكفاءة الثابتة:
هذا يعني أن كل بلد سيركز وسيتخصص في إنتاج السلعة التي ينتجها بطريقة أكفأ وبتكلفة أقل مقارنة مع البلدان الأخرى.
• الكفاءة الدينامية:
المنافسة العالمية الشديدة تزيد من الضغط على الصناعات المنافسة للواردات لزيادة الإنتاجية، كما تؤثر الواردات على نقل التكنولوجيا.
• تضمن التجارة الخارجية فهماً أفضل للثقافات الأخرى، وتساهم في تحقيق السلام، وأشهر مثال على ذلك هو الاتحاد الأوروبي.
• الآثار الاقتصادية الإيجابية للتجارة الخارجية تكبر الطبقة الوسطى:
وهذا واضح كل الوضوح في آسيا (سنغافورة كمثال) وفي إفريقيا وخصوصاً في إثيوبيا؛ حيث تنشأ طبقة وسطى صغيرة، كما تزيد التجارة الخارجية من الضغط على النخب السياسية لتحسين ما يسمى بالمؤسسات، وهذا يعني تقوية النظام القانوني، وحقوق الملكية الخاصة، وزيادة الحرية الاقتصادية والحد من الفساد.
• البنية التحتية:
من خلال التجارة الدولية تزداد الحاجة للبنية التحتية في البلدان الناشئة والنامية، أي سيتحقق المزيد من الاستثمارات في البنية التحتية.
هكذا تبين إذاً أن للمواطنين فرص عمل ورخاء أكثر بكثير في نظام التجارة الحرة ونظام الأسواق المفتوحة.
وفي حال استمر الرئيس الجديد في فرض المزيد من تدخلاته الحمائية، سيتسبب حتماً في اندلاع حرب تجارية مثل ما وقع في الثلاثينات وستشهد التجارة العالمية نكسة في فترته التي ستتحول إلى مسلسل أزمات في أميركا والبلدان الأخرى التي تتعامل معها كألمانيا مثلاً، كما ستؤدي السياسة الاقتصادية الحمائية إلى مزيد من تأزم الوضع؛ إذ سيزيد عدد الذين يعيشون تحت خط الفقر، وبالتالي لن يتمكن من تحقيق ما تعهد به في حملته الانتخابية لخلق فرص جديدة؛ لأن فرص الشغل ستتحقق عن طريق التجارة الخارجية وتشجيع الاستثمار.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.