5 أسباب تجعل الثورة السورية أعظم ثورات التاريخ المعاصر

سواء نجحت الثورة السورية أم لم تنجح، فبالتأكيد سيؤرخ لما قبل الثورة ولما بعدها، ففي حال الفشل على أقل التقديرات ستصاب معظم الشعوب العربية بالإحباط من هذه الأنظمة، وربما ستتأخر موجات الثورات القادمة عشرات السنين، إن لم يكن أكثر، أما في حال نجاح الثورة سيحدث العكس تماماً، وسنشهد انتفاضات عديدة في العالم العربي وربما في العالم.

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/14 الساعة 01:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/14 الساعة 01:50 بتوقيت غرينتش

ليست الثورة بكل مراحلها حالة مثالية عامة، كما يصورها بعض الحالمين البعيدين عن الواقع، كما لا يوجد لأي ثورة حقيقية في تاريخ الشعوب مؤقت يخبرنا بالتوقيت لبداية الثورة ولا لنهايتها، ولكن الثورة حالة خاصة في تاريخ الشعوب والأمم من التضحيات والبذل تتخللها بعض الأخطاء، تصعد أحياناً وتهبط أحياناً أخرى، يحدث أن يركب الموجة الثورية بعض المنافقين والحمقى ممن لا علاقة لهم بالثورة، ولكن لا تزال الثورة في سيرها نحو تحقيق أهدافها، تنقي الصفوف وتغربلها، تُسقط الأقنعة الزائفة عن الوجوه، تكشف خبايا النفوس حتى إذا تمت هذه الأمور وطهرت الثورة نفسها داخلياً، حصل حينها التغيير المنشود في نظام الحكم، لا بل التغيير في المجتمع بشكل عام وطريقة تفكير أفراده، وبالطبع الحديث هنا عن الثورات الشعبية التي تخرج ضد النظم الاستبدادية، وليس عن ثورات مقاومة الاحتلال الأجنبي، فكل له خاصيته رغم التشابه في بعض المواضع بينها أحياناً.

البداية
في 15 مارس/آذار 2011 انطلقت الثورة في سوريا، وهناك من يؤرخ أيضاً بـ18 مارس/آذار كبداية للثورة ولا اختلاف في هذا الأمر.

كانت الثورة السورية في حينها استمراراً لثورات انطلقت في المنطقة العربية، بدأت في تونس وأكملت طريقها إلى مصر واليمن وليبيا؛ لتحط الرحال أخيراً في سوريا، ورغم أن البوادر كانت لا توحي بحدوث ثورة كاملة وإنما مظاهرات متفرقة تنتهي بعد فترة، فإن العارف بالشأن السوري والعربي يعلم أن الكأس كانت قد امتلأت في جميع هذه الدول، وخاصة في سوريا، وإنما كانت تنتظر النقطة التي تفيض الكأس وتجري منها العواصف والأنهار التي تقتلع هذه الأنظمة المستبدة.

تُتم في هذه الأيام الثورة السورية عامها السادس لتدخل في السابع، والحال مستمر على ما هو عليه، بل هو أسوأ بعد التدخل الروسي الذي أصبح احتلالاً علنياً للأراضي السورية، بجانب احتلال الميليشيات الطائفية التابعة لإيران، وبعد خسارة الجزء الشرقي لمدينة حلب لصالح النظام السوري، وأردت هنا طرح ثلاثة أسئلة جوهرية بهذه المناسبة هي:
هل يمكن أن نعتبر الثورة السورية أعظم ثورات التاريخ المعاصر؟
هل ستنتصر الثورة في سوريا؟
ولماذا تأخر انتصار الثورة كل هذه المدة؟
وللإجابة عن السؤال الأول فلا بد من توضيح أن بعض المؤرخين يعتبرون بداية التاريخ المعاصر منذ الثورة الفرنسية وحتى الآن، إلا أن مؤرخين آخرين يعتبرون أن التاريخ المعاصر لا بد أن تجد منه أجيالاً موجودة حتى الآن، وهناك اختلاف آخر وهو المنطقة التي يُؤرخ لها، فمنهم من يؤرخ للتاريخ المعاصر للعالم بأجمعه، ومنهم من يؤرخ لأميركا فقط، ومنهم من يؤرخ للعالم الإسلامي أو العربي، وهنا سآخذ بالرأي القائل إن التاريخ المعاصر للمنطقة العربية يبدأ بعد الحرب العالمية الثانية؛ لأن التحولات الكبرى في المنطقة العربية وتقسيم الدول كما تبدو عليه اليوم معظمه حدث قبل هذه الفترة، وانتهى أغلبه بنهاية الحرب العالمية الثانية، ولا بد من إشارة أخرى إلى أنني أتحدث هنا عن الثورات الشعبية ضد أنظمة الحكم وليس الثورات ضد الاحتلالات الأجنبية، رغم أن الأمر في سوريا أصبح متداخلاً جداً بين ثورة بدأت ضد نظام حكم قمعي وظالم، وما هو إلا بمثابة احتلال داخلي قبل أن تتحول في سنواتها الثلاث الأخيرة إلى احتلال أجنبي صريح وواضح من روسيا عبر جيشها وطيرانها، وإيران عبر ميليشياتها الطائفية الوحشية.
وإذا ما أجرينا جردة لتاريخ الثورات في الوطن العربي وحتى العالم، سنجد أن الثورة التي انطلقت في سوريا ولم تنتهِ حتى الآن يمكن اعتبارها من أعظم ثورات التاريخ المعاصر، إن لم نقل هي أعظمها بالفعل، وذلك لعدة اعتبارات رئيسية:
1-عِظم التضحيات
أكثر من مليون قتيل على الأقل، بالإضافة إلى مئات الآلاف من الجرحى والمعوقين، وأكثر من أربعة ملايين مشرد خارج سوريا، هذا فضلاً عن أكثر من سبعة ملايين مشرد في داخل سوريا، مدن وقرى كاملة دُمرت وأُبيدت، وبنية تحتية دُمرت تدميراً شبه كامل، بالإضافة إلى اقتصاد مدمر وخزينة مفلسة ودين يزداد كل يوم، وبعد هذا السرد لبعض الأرقام لا أجد ثورة شعبية ضد نظام قمعي قدمت تضحيات كما قدمت الثورة السورية حتى الآن.

2-التآمر الدولي غير المسبوق
لا توجد ثورة في التاريخ لم يجرِ تآمر عليها من قِبل النظام نفسه وأنظمة أخرى لا تريد للثورة أن تطرق أبواب بلدانها، فحتى الثورة الفرنسية تعرضت لتآمر دولي لإجهاضها خوفاً من تصدير الثورة؛ حيث تدخلت حينها النمسا بزعامة الإمبراطور ليوبولد الثاني (شقيق ماري أنطوانيت زوجة لويس السادس عشر ملك فرنسا في ذلك الوقت) لمحاولة إجهاض الثورة، كما تدخلت بروسيا في حينها إلى جانب النمسا في المعركة.

فالقاعدة العامة أن تتعرض الثورة لثورات مضادة ولتآمر داخلي وخارجي، وهذا ما حصل في الثورة السورية، ولكن بشكل أكبر وأشد شراسة؛ حيث بدأ بتدخل الميليشيات التي تتبع لإيران، ثم تدخل دولة عظمى كروسيا، هذا فضلاً عن الدول الساكتة عن تدخل إيران وروسيا، وفي مقدمتها أميركا، التي تعتبر شريكة أساسية فيما حدث للشعب السوري حتى الآن، وحتى ما يسمى أصدقاء الشعب السوري فلم يُرَ منهم موقف يقارن أدنى مقارنة بما قدمته كل من إيران وروسيا للنظام السوري.

3- طبيعة النظام السوري القمعية التي لم تشابهها سوى أنظمة قليلة في التاريخ
من المسالخ البشرية في سجن صيدنايا كما سمتها منظمة العفو الدولية إلى جرائم النظام وأعوانه التي لا تنتهي من سجن وتعذيب وقصف وهمجية قلَّ نظيرها في التاريخ، ويستطيع المرء ببساطة تشبيهها بما حدث أثناء الغزو المغولي للعالم، وبمجازر هتلر وستالين، وغيرها من أكبر الجرائم.

كل هذه سلسلة بدأت من عهد حافظ الأسد الأب إلى عهد ابنه بشار، ولم تنتهِ حتى الآن، بما يشير إلى أن هذا النظام السوري قلَّ نظيره بالعالم من ناحية القتل والإرهاب والإجرام، وهذا فضلاً عما قام به هذا النظام من استجلاب الاحتلالات الأجنبية إلى أرض سوريا ليبقى في الحكم.

4-الثورة الكاشفة
أصبح الكثير من الباحثين والمتخصصين يطلقون على الثورة السورية أسماء كالكاشفة والفاضحة وهي كذلك، فكم أسقطت من أقنعة! وكم كشفت زيف وكذب مَن ادعوا لسنوات أنهم مقاومون وممانعون ضد إسرائيل! ليتبن أن هذه المقاومة هي ضد شعوبهم، وأن هذه الممانعة هي ممانعة حق الشعوب بالحرية والعدل، وكل هذا في المشهد الخارجي فقط، أما داخلياً فقد كشفت الثورة الشرخ الكبير الحاصل في المجتمع السوري، وفنَّدت ادعاءات هذا النظام بأنه بنى مجتمعاً قوياً ومتماسكاً، هذا فضلاً عن انكشاف الأقنعة عن وجوه في الداخل تعمل على المتاجرة بدماء السوريين ومحاولة بيع قضيتهم بأبخس الأثمان.

5- التغيير الكبير في المنطقة العربية والعالم في حال نجاح الثورة أو حتى فشلها
سواء نجحت الثورة السورية أم لم تنجح، فبالتأكيد سيؤرخ لما قبل الثورة ولما بعدها، ففي حال الفشل على أقل التقديرات ستصاب معظم الشعوب العربية بالإحباط من هذه الأنظمة، وربما ستتأخر موجات الثورات القادمة عشرات السنين، إن لم يكن أكثر، أما في حال نجاح الثورة سيحدث العكس تماماً، وسنشهد انتفاضات عديدة في العالم العربي وربما في العالم.

أستكمل الحديث في المقال القادم -إن شاء الله- وأجيب فيه عن سؤالين مهمين هما:
هل ستنتصر الثورة في سوريا؟
ولماذا تأخر انتصار الثورة كل هذه المدة؟

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد