في كل لحظة تتوافد السيارات إلى مبنى صغير علقت عليه لافتة تفصح عن هويته "الكنيسة الإنجيلية بالإسماعيلية"، منذ لحظة الدخول تجد أشخاصاً مكدسين في الباحة الأمامية التي لا يتجاوز عرضها مترين وطولها 10 أمتار كحد أقصى، فيما يفترش الكثيرون الأرض.
إرهاق يظهر على الوجوه، وصمت يقطعه فجأة صرخة سيدة أربعينية تجلس قرب أحد أركان الباحة "مش هسكت أنا ما بخافش وكلي إيمان اتكلموا علشان حد يسأل فيكم حرام"، نبيلة جرجس، من أقباط مدينة العريش، وإحدى الفارين من مدينة العريش إلى الإسماعيلية، كسرت حاجز الصمت، وقالت: "جينا نلجأ للكنيسة، ابني في ثانوية عامة مستقبله ضاع"، وأضافت: "ما حدش سائل فينا فين الرئيس فين الجيش؟"، يقاطعها صوت أحد الأهالي في الطرف الآخر من الباحة الصغيرة: "إيه الذنب اللي عملناه علشان نتقتل.. جريمتنا إننا مسحيين أدينا اتشردنا"؛ لتتعالى أصوات الجميع كل يحكي ما أصابه.
وبحسب مجلس الوزراء، فإن 118 أسرة خرجت من المدينة، استقر منها 96 أسرة في محافظة الإسماعيلية، بينما وزع الباقي على ثلاث محافظات أخرى.
بدأت الأحداث ببث تنظيم ولاية سيناء، المبايع لداعش، "فيديو" مطلع الأسبوع الماضي، عرض فيه استهداف الكنيسة البطرسية، وانتهى إلى أنه سيستهدف الأقباط في مصر وسيحرر القاهرة.
ولقى 7 من مسيحي الديانة مصرعهم على يد أعضاء التنظيم الإرهابي خلال ثلاثة أيام فقط، فيما تفنن أعضاء التنظيم في إظهار الوحشية أثناء قتلهم لبث الرعب في قلوب الأهالي.
وقالت مصادر أهلية بالعريش إنه من الذين لقوا مصرعهم كل من: كامل رؤوف كامل، وقد تم ذبحه على سطح منزله، بعد محاولة الهروب، والمواطن سعد حكيم حنا وابنه مدحت اللذين ذُبحا ثم أضرمت النيران في جثمانيهما، إضافة إلى جمال توفيق جرجس مالك لمحل أحذية، وكذلك لقي الطبيب بهجت مينا ويليام زخاري مصرعه رمياً بالرصاص، إضافة إلى شاب مسيحي اسمه "هاني"، وقد تم نهب وسرقة محله التجاري بعد قتله، وآخر كان مواطناً يدعى "أبو روماني" تم ذبحه أمام عائلته.
بالعودة إلى باحة الكنيسة الإنجيلية، وفي مشهد وحدة وطنية غير مصطنع، كان عدد من شباب محافظة الإسماعيلية قد أسرع لتقديم المساعدة بكل السبل منذ بدء توافد الأهالي ليل الخميس إلى الكنيسة.
أماني خليل، ناشطة معروفة بالإسماعيلية تحدثت بعد إلحاح شديد، قالت إن أهالي الإسماعيلية يعلمون جيداً معنى التهجير، وأن تصبح لاجئاً في وطنك منذ أيام الحروب، ولذلك فإن الشباب يقدم المساعدة، وأضافت داليا الكيلاني، مديرة جمعية "ولاد البلد"، أن الجمعية تنسق مع الكنيسة منذ اللحظة الأولى لإمداد العائلات بالطعام اللازم والمساعدة على توفير الملابس والمستلزمات، فبعض العائلات تركت كل شيء خلفها وخرجت، وتسكينهم ومتابعة احتياجاتهم، من أجل تسكين العائلات تم تفريقه بين بيت شباب الإسماعيلية بطريق البلاجات وكنيسة الأنبا أنطونيوس بمدينة المستقبل ودير القنطرة غرب ومساكن مدينة الإسماعيلية.
في اليوم التالي نقلت السيدة "نبيلة" إلى دير منطقة المستقبل الذي لم يكتمل بناؤه بعد، فجلست على سلم كنيسة الأنبا أنطونيوس داخل الدير مع أفراد عائلتها، بينما يقف "مينا" في الجهة المقابلة لها، مستنداً إلى حائط ينتظر دعم الهلال الأحمر؛ ليحمله إلى عائلته.
مينا حكى أن عائلته التي يصل عددها إلى 10 أفراد تقطعت أوصالها بين 5 أماكن أثناء مرحلة التسكين، وبات صعباً التواصل بشكل منتظم معهم في ظل هذه الأزمة، لكنه رجا أن يكون الوضع مؤقتاً.
واستقبلت الإسماعيلية النازحين في 5 أماكن هي: معسكر القرش، وبيت الشباب، والكنيسة الإنجيلية، وكنيسة الأنبا أنطونيوس بمدينة المستقبل، ومنطقة التدريب المهني.
وأعلنت الحكومة أنه تم اتخاذ قرار بتوفير 120 شقة سكنية بمدينة المستقبل بالإسماعيلية، بشكل مؤقت حتى حل الأزمة، لكن عملية التسكين لم تبدأ حتى الآن.
وأصدر الأنبا سارافيم، أسقف الإسماعيلية، بياناً أكد فيه متابعة الكنيسة للوضع وتقديمها الدعم وفتح حساب رقم 1069241 باسمه للتبرع لصالح العائلات المسيحية الوافدة من العريش على بنك الاتحاد الوطني.
ووصل عدد قوافل الدعم لما يقارب الثمانية، منها 3 لأحزاب الدستور والعيش والحرية ومستقبل وطن، إضافة إلى قافلة طبية من الداخلية، وقافلة مواد غذائية من الجيش، وقافلة طبية قادها أحمد عماد الدين، وزير الصحة، وقافلة مساعدة من مول هايبر دون احتساب المساهمات الفردية.
وقال محافظ الإسماعيلية، على هامش زيارة وزيرة التضامن الاجتماعي غادة والى لعدد من الأسر المسيحية بعد وصولهم الإسماعيلية: إن العائلات المسيحية أتت بناء على دعوة الكنيسة، ولا يصح وصفهم باللاجئين أو النازحين؛ لأنهم لم يهجروا قهرياً، مشيراً إلى أن المحافظة تستضيف 400 شخص منهم، وستقدم لهم كل سبل الراحة، بينما أعلنت المحافظة عدم استطاعتها استقبال مزيد من الأسر لتتجه أنظار 22 أسرة إلى مدينة بورسعيد، بقيت باحة الكنيسة الإنجيلية تستقبل المزيد من الأسر الفارة، ويحاول المتطوعون دعمهم.
بقيت أعين السيدة نبيلة تحملق في المجهول، تراقب دخول المزيد من الأسر مع كل ساعة، بينما بقيت ضفة قناة السويس تشهد على فصل جديد من معاناة المصريين، بعودة أيام التهجير والتشريد، كما حدث إبان النكسة في عام 1967.
مصادر:
1- كنائس الاسماعيليه تستقبل العائلات المسيحيه بعد فرارها من الاستهداف فى العريش
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.