سأطرح في البدء مزيداً من الأسئلة، هل كان يمكن، فيما مضى، أو هل يمكن اليوم في ألمانيا التعايش مع النازية المستندة في رؤاها الفكرية وممارساتها العملية على التفوق العرقي؟ وهل يمكن التعايش مع الفاشية الإيطالية المستندة إلى حكم القوة وعداء الديمقراطية؟ وهل يمكن التعايش مع "الأبارتايد" للأبد وفق المنفستو الذي أقام عليه نظامه في جنوب إفريقيا ذات يوم؟
تتشابه الحوثية مع كل ما سبق، فحين أطل علينا عبد الملك الحوثي في خطاب أشار إلينا بأننا أمام خيارين؛ إما أن نستحدث ولاءً لله، حسب تعبيره، أو ننحاز للشيطان، الولاء لله وفق تعريف الحوثية هو الإقرار بأحقية الهاشميين في حكم البلاد، وما عدا ذلك فولاء للشيطان.
هكذا ينظر الحوثيون إلى بقية الشعب، مجموعة من الشياطين، الملايين التي قالت نعم للخيار الديمقراطي وبناء دولة المساواة والعدل، وقالت أيضاً "لا" لمشروع الإمامة، هم فئة باغية في نظر الجماعة الحوثية، وهم كذلك شعب ذو درجة ومنزلة أقل، لا يتسم بالنقاء الهاشمي، ولا بالاستحقاق الديني الذي يؤهله للمشاركة في الحياة السياسية وفق الأيديولوجيا المذهبية التي يعتنقها الحوثيون.
حين كان الحوثيون بلا قوة، عندما كانوا مطاردين ومشردين في جبال صعدة، كانوا ينادون بفكرة التعايش والقبول بالآخر، أو هكذا ظننا، وصدقناهم بالفعل، وما إن امتلك الحوثيون بعضاً من القوة حتى بادروا بأول خطوة: نسف فكرة التعايش من الأساس، فاقتحموا دماج، تلك البقعة من الأرض اليمنية التي لا تشاطر الحوثيين معتقداتهم الدينية، وقاموا قبل ذلك بتهجير المئات من اليهود اليمنيين من قراهم، ثم ما لبثوا، لاحقاً، أن وضعوا أكبر كمية ديناميت في العالم أسفل بناء "التعايش"، وقاموا بنسفه في أكبر عملية هدم للمصطلح عبر الأزمان.
تحرك الحوثيون في كل اليمن، اقتحموا مقرات الأحزاب وعاثوا فيها خراباً، ثم أعلنوا صراحة أن الحكم ينبغي أن يكون في تلك السلسلة النقية، وما عدا ذلك فالحرب. لا يمكن التعايش مع جماعة نسفت فكرة التعايش من الأساس، لا تؤمن الجماعة الحوثية بالتعايش أصلاً، وليس في أدبياتها ما ينبئ بذلك، تعلي العنصرية الحوثية من شأن العنف والشعور بالتميز والتفوق، ولا يمكن لجماعة تفعل ذلك كل الوقت أن تحظى بفكرة جيدة عن "التعايش".
تتخذ الجماعة الحوثية من سلاحها، وإفراطها في العنف، وسائل لتحقيق وتطبيق وتدعيم فكرة التميز والتفوق الهاشمي، تماماً كما فعل العنصريون في جنوب إفريقيا، عندما خاطبوا الشعب بالرصاص والهراوات، وكما فعل هتلر بالدعاية والحرب وبطش القوة، وحين كان لزاماً أن تسود فكرة "التعايش" كان يلزم أن يعاد احتكار القوة في يد سلطة شرعية تؤمن بالتعايش، وتعمل على جعلها واقعاً معاشاً، سلطة وطنية لا جماعة فاشية، وأن تحتكر الدولة الوطنية السلاح، كل السلاح، فهذا مدخل يمكن البناء عليه لتحقيق "التعايش".
فكرة التعايش التي تتبناها الجماعة الحوثية هي اقتسام السلطة والثروة، واحتكار السلاح وقهر المجتمع، أما اقتسام السلطة والثروة فتريده الجماعة الحوثية أن يتم بين بضعة ألوف يمثلون الحركة الحوثية كطرف أول، وثلاثين مليوناً هم الشعب اليمني كله.
لا تأبه الجماعة الحوثية بالحوار والتفاهم والتعاون، فمسيرة الجماعة الحوثية، منذ خروجها من عزلتها في صعدة عام ٢٠١١، مليئة بالمواقف والأحداث التي نحّت الجماعة فيها كل تلك القيم لمصلحة العنف والبارود، ووفقاً للطريقة النازية: "عندما أسمع كلمة مثقف أتحسس مسدسي"، فقد أرسى الحوثيون قاعدة: "عندما أسمع كلمة حوار أتحسس مخزن سلاحي".
على أنه يجدر بنا الإشارة، في ختام هذا النص، إلى أن الأيديولوجيا الحوثية المبنية على ادعاء التميز السلالي والحق الإلهي لن تندثر، فالأفكار العنصرية لا تموت، يمكن الحد منها واحتواؤها، وهذا ما نلاحظه من انبعاث لها في أوروبا وأميركا، غير أنه يمكن محاصرتها فقط بمشروع وطني يأخذ بالاعتبار العوامل السياسية والاجتماعية، ويتبنى فلسفات تُحدث تغييراً حقيقياً في هذين العاملين، وليس من الحكمة مواجهة الحوثيين بأفكار أخرى غير وطنية، متطرفة وعنصرية أيضاً.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.