(رؤية 2030) التي تم إقرارها، ودخلت حيز التنفيذ، هي ليست مجرد رؤية مؤقتة فرضها التراجع الحاصل في أسعار النفط في دولة تعتمد على النفط بنسبة كبيرة، بل هي خارطة الطريق للحاضر والمستقبل، رؤية لا تنظر للحاضر، بل تأخذ بعين الاعتبار استشراف المستقبل والعمل من أجل الأجيال القادمة، وكسر حالة الجمود في الاقتصاد السعودي، وأقصد هنا الاعتماد بنسبة كبيرة على النفط كمصدر دخل رئيسي في وقت تراجعت فيه أهميته على المستوى السياسي والاقتصادي، أخذت في عين الاعتبار نقاط القوة التي تمتلكها المملكة العربية السعودية، وتسعى للاستفادة منها، للحفاظ على صلابة اقتصادها، وهي العمق العربي والإسلامي، والقوة الاستثمارية، والموقع الجغرافي، ونقاط القوة هذه هي الركائز الأساسية التي تسعى الإدارة الاقتصادية في المملكة العربية السعودية، ممثلة بمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، إلى استثمارها والاستفادة منها؛ للعبور إلى مرحلة ما بعد النفط.
رغم أن اكتشاف النفط يعود لزمن طويل، فإن القرن العشرين كان بمثابة الازدهار لعصر النفط، كانت مادة النفط ليست مصدر الطاقة أو الدخل فقط، بل كان النفط الصائغ الرئيسي للسياسات، والمحرك الأساسي للعلاقات والصراعات والحروب، لكن هذا العهد الازدهاري لن يدوم طويلاً، فقد تراجع دور النفط عما كان عليه في السابق، فلم يعد هو الدافع الحقيقي والمحرك الرئيسي للسياسات، ولم يعد النفط كما كان من قبل شعاراً لبعض حركات التحرر الوطني، كما حدث في إيران إبان عهد الشاه ورئيس وزرائه محمد مصدق، الذي طالب بتأميم النفط، وقاد ثورة وطنية انتهت بانقلاب عسكري عليه، وأيضاً لم بعد النفط دافعاً لتقوم بعض الدول بحروب من أجله، كما حدث عند الغزو الأميركي للعراق (عام 2003)، ولم يعد النفط سلاحاً سياسياً تستخدمه الدول، كما حدث إبان حرب عام 1973م، عندما استخدمت المملكة العربية السعودية النفط سلاحاً سياسياً، وقامت بقطع النفط عن القوى الغربية الداعمة للمحتل الإسرائيلي، ما كان لذلك بالغ الأثر في انتصار الجيوش العربية على إسرائيل.
مع تراجع أهمية النفط في تحريك السياسات وإدارة العلاقات وإشعال الصراعات والحرب، فبعد أن بدأ يفقد النفط الأهمية التي كان يحظى بها، ولم يعد كما كان بالأمس يتربع على عرش صياغات السياسات الدولية وتوجيهها والتأثير عليها بشكل لا يستهان به، نجد أن هذا التراجع سيكون له تأثير كبير على تراجع أهمية النفط أيضاً كمصدر رئيسي للدخل؛ لذلك فقد أصبحت هناك حاجة ملحة اليوم نحو العمل على تنويع مصادر الدخل، وعدم الاعتماد على النفط بنسبة كبيرة، كما هو الحال مع المملكة العربية السعودية التي لا تزال تعتمد ولعقود طويلة على النفط كمصدر رئيسي للدخل بنسبة ما يقارب الـ90%.
جاءت الرؤية السعودية 2030 التي صاغها ووضع اللبنة الرئيسية لها ويشرف على العمل على تنفيذها مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، بقيادة قائد التحول الوطني صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- هذه الرؤية الاستشرافية التي جاءت عن إدراك وقراءة عميقة للماضي والحاضر والمستقبل؛ لكي تحرك المياه الراكدة في الاقتصاد السعودي، وتشحذ الهمم للعمل على تنويع مصادر الدخل، وعدم الاستمرار بالاعتماد على النفط الذي يشهد تراجعاً ملحوظاً ليس من جهة أسعاره، بل من جهة أهميته التي يحظى بها منذ عقود على المستوى السياسي والاقتصادي.
مما لا شك فيه أن الرؤية السعودية 2030 ستجد أمامها الكثير من العقبات، خاصة أن النسبة التي تعتمد عليها المملكة العربية السعودية على النفط كمصدر رئيسي للدخل وذلك بنسبة عالية؛ لذلك نجد أنه مع وجود مستوى عالٍ من الحوكمة في رأس الهرم ومع وجود مكتب وظيفته تسجيل كل الخطط والأهداف، يبدأ بتحويلها إلى أرقام وإلى قياس أداء دوري كل ربع سنة، ومدى مواءمة عمل الجهات، وخطط الحكومة، وبرامج الحكومة في تحقيق الأهداف، كما صرح بذلك مهندس الرؤية الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- على قناة العربية مع الإعلامي تركي الدخيل، نجد أنه مع كل هذا وبوجود مستوى عالٍ من الشفافية التي ظهرت خلال لقاء الأمير محمد بن سلمان على قناة العربية (أبريل/نيسان 2016)، خلال حديث سموه المفصل عن الرؤية السعودية، سوف تسهم كل هذه العوامل مجتمعة في إذابة الجليد أمام العوائق والتحديات التي قد تواجه تنفيذ الرؤية السعودية الطموحة 2030.
عند الحديث عن مدى قدرة الرؤية السعودية 2030 على تجاوز التحديات التي تواجه تنفيذها نجد أن ميزانية عام 2017 والتي جاءت بنسبة عجز أقل من المتوقع في عام 2016، وأيضاً ارتفاع الإيرادات غير النفطية، نجد أن الرؤية السعودية 2030 مع إقرار ميزانية عام 2017 التي جاءت غير متأثرة بالتراجع الحاصل في أسعار النفط، الذي وصل في بعض الأحيان إلى مستوى الأربعين دولاراً، وأيضاً في ظل استمرار الحرب التي تقودها المملكة العربية السعودية ضمن تحالف عربي ضد الانقلابيين في اليمن لاستعادة الشرعية اليمنية، قد اجتازت الرؤية السعودية 2030 وبرنامج التحول الوطني أهم التحديات التي تواجهها، وعلى رأسها تقليل الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للدخل، والعمل على تنويع مصادر الدخل للدولة.
الرؤية السعودية 2030 تحمل أبعاداً خارجية لا تقل أهمية عن أبعادها الداخلية، التي تتمثل في تنويع مصادر الدخل، بحيث لم يعد الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي، والتحول نحو اقتصاد السوق الحرة، وتشجيع الاستثمارات، وخلق فرص وظيفية، والحفاظ على الحياة الكريمة للمواطنين، فالبعد الخارجي في رؤية 2030 باعتقادي هو الحفاظ على الأهمية التي تحظى بها المملكة العربية السعودية على الصعيدين الدولي والإقليمي؛ لذلك نجد أنه من خلال العمل على تشجيع الاستثمار والسعي لتنويع مصادر الدخل، وعدم الاعتماد بشكل كلي على النفط كمصدر رئيسي للدخل، سوف يسهم كل هذا في تخفيف الآثار الناجمة عن التراجع الحاصل في أسعار النفط على الاقتصاد السعودي، ما يؤدي إلى الحفاظ على المكانة التي حظيت بها المملكة العربية السعودية -ولا تزال- في الاقتصاد العالمي، والتي برزت خصوصاً عقب الحرب العالمية الثانية، عندما بدأت الأنظار تتجه إلى منطقة الشرق الأوسط؛ لما تمتلكه من موقع استراتيجي هذه المنطقة الغنية بالنفط، والتي تشكل حوالي 66% من احتياط النفط العالمي، ولذلك نجد أن رؤية 2030 المستقبلية والطموحة لا تقتصر على الاقتصاد السعودي الداخلي، بل تمتد للحفاظ على مكانة المملكة، العضو في قمة العشرين الاقتصادية كقوة اقتصادية، وعضو فاعل ولاعب يمتلك الكثير من المقومات التي تؤثر بشكل كبير على الاقتصاد العالمي.
عند الحديث عن الجانب الذي لا يقل أهمية، وهو (المواطن) نجد أن رؤية 2030 وما صاحبها من برامج ومبادرات وخطوات جريئة ومتسارعة في تحقيق التحول الوطني والسعي لتحرير أسعار الطاقة وتخفيض بعض الدعم الحكومي الذي شكل عبئاً أرهق ميزانية الدولة لسنوات طويلة، وكذلك تدشين حساب المواطن الذي ظل انتظاره طويلاً لما له من أهمية قصوى في توجيه الدعم الحكومي لمستحقيه، أسهمت بشكل كبير في تحويل المواطن الذي هو الاستثمار الحقيقي من عبء على الدولة ينتظر الدعم الحكومي في شتى المجالات إلى شريك في مسيرة التنمية، وشريك في صناعة المستقبل والتخطيط من أجله.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.