الشعب يريد إسقاط “المنصات”!

نعم.. كل "المنصات" بلا استثناء التي يتقمص فيها أحد قادتها دور الشاعر مرة، ودور الصيدلي مرة أخرى، ودور الحلاق مراراً، وتلك التي يقفز أعضاؤها من أجندة لأجندة، متقنين أدوارهم في الموالاة متى شاءوا، والمعارضة متى رغبوا، منتظرين "جائزة الأوسكار" على أدائهم المتقن.

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/08 الساعة 01:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/08 الساعة 01:06 بتوقيت غرينتش

عندما أزلنا بذور "التراخوما" من عيوننا، وطردنا النعاس والتثاؤب والتثاقل؛ لنرى الحياة بعيون مفتوحة..بريئة.. شغوفة، عندها فوجئنا بأن هناك "منصات" تنتظرنا لتغتال براءتنا.

"منصة الاحتفالات" التي نمر أمامها في مسيرات تحتفل بأعياد "وطنية"، ويعتليها رجال بكروشٍ منتفخة، وربطات عنق مشجّرة، وصبغة شعر تخفي البياض، ويواجهوننا بابتسامات صفراء، وتصفيق متثاقل، وتلويحة بأيدٍ "ملولة".

ثم جاءت "منصات الخطابة" التي كان يعتليها رجال يتكررون دائماً، مرددين بصراخ موتور نفس العبارات "الصمود والتصدي – الإمبريالية – المؤامرة – الأعداء المتربصون".

و"منصة لبعض المراكز الثقافية" التي كان يعتليها أدباء يرضون أن يتنازلوا عن مكافآتهم الزهيدة لمدير المركز "ليُولِمَ" لهم ويمارس هوايته في تجرع الكحول بشراهة على حساب الثقافة.

و"منصات المراكز الدينية" التي تبيع الجنة للفقراء البسطاء، وتغرق في ترفها ومصالحها الشخصية ورؤيتها الضيقة.

كبرنا بعد أن أثخنتنا هذه "المنصات" وغيرها وهماً وزيفاً وخداعاً؛ ليأتي زمن "منصات التواصل الاجتماعي"، وبدلاً من أن تكون جسراً للتواصل أصبح لكل واحد منا "منصته الشخصية" التي يقصف منها بكل الاتجاهات، ويرشق من يشاء بسهامِ "عبقريته".

ومع توالي سنوات الوجع السوري، والعبقرية الفذة والمدهشة في تسميات ومصطلحات سبقنا بها كل شعوب الأرض، فكانت مخيلتنا تتفتق عن تسميات غريبة وعجيبة، حتى لاح في الأفق "وهم" الحل السياسي والحوار الوطني، فكان لا بد من اجترار عمق الذاكرة؛ ليتم ابتكار تسمية "المنصات" التي ابتلعناها منصة إثر منصة "منصة إسطنبول – الرياض – موسكو – القاهرة – حميميم – وأخيراً منصة بيروت"، ولا أدري إن كان هناك منصات جديدة سيعلن عنها قريباً.

جاءت هذه المنصات بتسمياتها وانتماءاتها ومرجعياتها معبّرة عن مدى التشرذم والتشتت الذي بات يحكم المشهد السوري بعد سنوات من مخاضٍ عسير لا يبدو أنه سيفضي لولادة طبيعية.

والغريب أن هذه "المنصات" جاءت لتذكّرنا بما استقر في ذاكرتنا من "منصات" قديمة بنفس الرؤى الضيقة والمصالح الشخصية والزعيق الخاوي والشعارات الجوفاء والشتائم المتبادلة والإلغاء والإقصاء المتنّقل بين "منصات" تريد أن تثبت لمشغلّيها داخل سوريا وخارجها أنها الأجدر بتمثيل شعبٍ نصفه مهجّر ونصفه الآخر يبحث عن ملاذٍ آمِن من قصف متبادل لمنصات كثيرة من الجو والبر، وأحياناً مما وراء البحار.

الشعب يريد إسقاط "المنصات"؟!

نعم.. كل "المنصات" بلا استثناء تلك التي اغتالت براءة طفولتنا وعفوية يفاعنا، وحطمت ما تبقى من أحلامنا، "منصات" لم تعبّر منذ نصف قرن وحتى الآن عن الناس؛ بل غرقت وأغرقتهم في رمال الطائفية المتحركة، وتلك التي سقطت أمام دمعة طفل في عراء الشتات، بينما أهل "المنصات" ينعمون بالنوم في أسرّتهم الوثيرة في فنادق الخمس نجوم.

الشعب يريد إسقاط "المنصات"؟!

نعم.. كل "المنصات" بلا استثناء التي يتقمص فيها أحد قادتها دور الشاعر مرة، ودور الصيدلي مرة أخرى، ودور الحلاق مراراً، وتلك التي يقفز أعضاؤها من أجندة لأجندة، متقنين أدوارهم في الموالاة متى شاءوا، والمعارضة متى رغبوا، منتظرين "جائزة الأوسكار" على أدائهم المتقن.

الشعب ملَّ من كل الوجوه والشعارات والأجندات والتحالفات والمؤتمرات التي تُطبق على أنفاسه، ولأنه يريد نهاية لأوجاعه وشتاته وتيهه، ولأنه يحلم بِمَنْ يبني له الدولة الوطنية، ولأنه يدرك تماماً أن هذه الوجوه على اختلاف مشاربها وتوجهاتها وأجنداتها قد انتهت صلاحيتها، ولا أمل في تجميلها وإعادة إنتاجها من جديد تحت أية تسمية مهما كانت براقة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد