مُتلازِمة الكرسي

دائماً ما نهتف في السر والعلن "تسقط الديكتاتورية يسقط أصحاب الكراسي"، ألا ننظر إلى حالنا؟ في داخل كلِ منا ديكتاتور صغير ينمو مع الوقت، إن سقيته بماء العَظَمة وأطعمته مما امتدت إليه أيادي الزعماء من كبر وحب للمال والمنصب متمسكين بكراسيهم دهوراً وسنين.

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/06 الساعة 01:19 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/06 الساعة 01:19 بتوقيت غرينتش

كنت جالساً مع صديق لوالدي قد غطَّى الشيب رأسه، أخبرني حينها بأنه عُرض عليه منصب رفيع في الدولة، بادرت بابتسامة كبيرة وباركت له، غير أنه كان مغتاظاً من هذا العرض، وأخبرني أنه رفضه رفضاً قاطعاً، مبيناً الأسباب التي أدت إلى اتخاذه هذا القرار، وقال بالعامية العراقية: "ابني إذا كعدت ع الكرسي بعد أبو أبوية ميشيلني منه"، ثم أردف قائلاً: نحن شعب نحب الكراسي، حتى وإن كان كرسي طبيب الأسنان، فمهما كان الألم المصاحب للجلوس على هذا الكرسي فظيعاً فإننا نتمسك به.

أذكر أنني عملت في شركة ما في سنوات مضت، وكان للشركة مهندس ليس بالمستوى المطلوب، وقد قامت الشركة بتوظيف مهندس جديد، وما إن باشر الأخير عمله في الشركة، وأصبح هو وصديقه الجديد في نفس المكتب، طُلب من المهندس القديم أن يُخلي مكتبه وينتقل لمكتب آخر مع الإبقاء على وظيفته، فرفض رفضاً قاطعاً متحججاً بأنه اعتاد الجلوس في هذا المكتب.

دائماً ما نهتف في السر والعلن "تسقط الديكتاتورية يسقط أصحاب الكراسي"، ألا ننظر إلى حالنا؟ في داخل كلِ منا ديكتاتور صغير ينمو مع الوقت، إن سقيته بماء العَظَمة وأطعمته مما امتدت إليه أيادي الزعماء من كبر وحب للمال والمنصب متمسكين بكراسيهم دهوراً وسنين.

أذكر مرة أنني خرجت في مظاهرة مع عدة أصدقاء نهتف ضد الحاكم المستبد المتمسك بالكرسي منذ سنوات كثيرة، وكان بيننا سائق السيارة الخاصة بالشركة التي كنت أعمل بها، وهو يهتف بكل حماس: "يسقط يسقط أصحاب الكراسي"، حينها التفت إليه ممازحاً: يا فلان ألم ترفض التخلي عن وظيفة السائق وتمسكت بالكرسي الأمامي للسيارة رافضاً الركوب في الكرسي الخلفي؟ أليست هذه قمة الديكتاتورية والتمسك بالكرسي؟ فصمت حينها!

في أميركا تعاقب أربعة رؤساء على الحكم منذ سنة 1993 وإلى سنة 2017، أما في أحد البلدان العربية فقد انتخب الرئيس سنة 1999 ولا يزال حاكماً إلى الآن وقد كُتب في موسوعة الويكيبيديا أنه تسلم المنصب سنة 1999م، وقد كان آخر تحديث للموقع في سنة 2014م، عندها توقف التحديث ربما سئموا من تحديث السيرة الذاتية له.

إن متلازمة الكرسي قد انتشرت في مجتمعنا العربي حتى تجذرت في الدوائر الحكومية والأهلية، وبات هذا الأمر طبيعياً جداً من أصغر موظف إلى أعلى الدرجات في الدولة، وحتى في منازلنا فهذا الكرسي مخصص للوالد أو الأخ الأكبر، ولا يُسمح أن يجلس عليه غيره "فهو مريح نوعاً ما" ولا أعلم السر في ذلك فهو متشابه مع باقي الكراسي ومن نفس الصنف، إن الحل الوحيد للقضاء على هذا المرض هو زرع الكفاءات في شتى الوظائف والمناصب، ووضع قانون صارم يحكم الجميع من أدنى مرتبة في الدولة والمؤسسات الأهلية وإلى منصب الحاكم، ولعل الخروج عن صمت الشعوب بطريقة حضارية هو الطريقة المثلى للتعبير عن رفض التمسك بالكرسي، وضرورة النهوض بواقع بلداننا العربية عن طريق تداول السلطة، ولو عدنا بالتاريخ إلى ما بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وإلى عهد الأمويين وما تبعهم لتبين لنا أن السلطة كانت متداولة بحد السيف، واستمرت بالقوة إلى عهدنا هذا.

ويتم تداول السلطة بطريقتين:

1- الانتخابات الحرة النزيهة.
2- الانقلابات العسكرية.

ولكن في عصرنا هذا لا فرق بين الاثنين، فالانتخابات ليست حرة نزيهة. ولهذا فهي شبيهة جداً بتداول السلطة بحد السيف.

إن عملنا بجد وجهد بالغين، وأدينا الوظيفة التي في رقابنا من دون نقص يُذكر، ومن ثم أفسحنا المجال لمن هو أفضل منا، عندها ستصبح بلداننا هي الأفضل، ولقضينا على متلازمة الكرسي من منصب الحاكم وإلى كرسي الوالد.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد