ترامب وإيران في عقدة المؤامرة

يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أننا إنسانيون قبل كل شيء، وإن كنا كعرب نقف موقف الناقم ضد نظام الولي الفقيه في قم وطهران، لكن لا يجب أن نتناسى الشعوب الإيرانية التي تتطلع إلى يوم لا يرون فيه الملالي وبإراداتهم الحرة لا بضربات جوية أو برية من دولة أجنبية ويعاد سيناريو العراق الكارثي.

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/06 الساعة 01:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/06 الساعة 01:06 بتوقيت غرينتش

بعد تسلَُم الرئيس الأميركي الخامس والأربعين لمنصبه تناثرت التحليلات السياسية والاستراتيجية لسياسة هذا الرئيس المثير للجد إلى ما سَيقدم عليه ترامب، الرئيس الأكثر سرعة في تنفيذ وعوده التي بدأ بتنفيذها بعد ساعات فقط من أدائه اليمين الدستورية في حفل تنصيب طغى عليه الطابع الديني بجدارة، هذه التحليلات على اختلافها كانت تتمحور على محور واحد، وكأنها نسخ بعضها بعضاً فلا تكاد ترى أي اختلاف بينها إلا النزر اليسير وغير المهم أو بمدى طول (التحليل)، وكانت هذه المحاور هي أن ترامب لن يحرك ساكناً ضد إيران، وأن تصريحاته النارية ستبقى داخل حسابه على تويتر وعلى شاشات التلفزيون، وجزمت بأن هذه التصريحات قد سبق أن أطلقتها كلينتون وجورج بوش الابن وأوباما وترامب،

فلنستعرض بسرعة هذه الادعاءات، الرئيس الأسبق كلينتون لم يصرح ويهدد إيران بضربها قط، بل هو وضع سياسة الاحتواء، وسمى إيران والعراق وكوريا محور الشر " Axe of Evil"، جورج بوش الابن لم يقل علناً بنيته ضرب إيران إطلاقاً، بل إن مصادر صحفية كشفت أن بوش وبعضاً من إدارته فكروا في توجيه ضربة لمفاعلات إيران النووية، وقد تم إقناع بوش بعدم ضربها لفسح المجال للمباحثات النووية، وعدم فتح جبهة جديدة، إضافة إلى جبهة العراق التي تنزف حينها، فتم التراجع عنها، أي خطة أو جهد لإعطاء السلام فرصة تعتبر برأيي عملاً جيداً ولا يستحق الاتهام، ثم جاء أوباما وحصل نفس الشيء، أي أنها تهديدات كي تذعن إيران وتجلس على طاولة المفاوضات، وفعلاً أتت التهديدات أكلها؛ حيث جلست وتفاوضت، وتم (تشليح) إيران من طموحاتها النووية، وإلى الأبد وجردها حتى من

حق إنتاج الأسلحة الاستراتيجية، بل جعلها تقبل بشروط قاسية لن تعود عليها إلا بالنقمة الداخلية، وفعلاً بدأ هذا الأمر في داخل إيران، وبدأت الانشقاقات داخل نظام الحكم عقب توقيع الاتفاق النووي، ثم جاءت تهديدات ترامب، وهو لم يمضِ عليه إلا أيام في سدة الحكم، فكيف يتم الجزم بعدم المصداقية؟! فعن أي تهديدات (خاوية) نتحدث؟!

يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أننا إنسانيون قبل كل شيء، وإن كنا كعرب نقف موقف الناقم ضد نظام الولي الفقيه في قم وطهران، لكن لا يجب أن نتناسى الشعوب الإيرانية التي تتطلع إلى يوم لا يرون فيه الملالي وبإراداتهم الحرة لا بضربات جوية أو برية من دولة أجنبية ويعاد سيناريو العراق الكارثي.

لقد لمست في تلك التحليلات على الإطلاق أن طرحهم لنظرية المؤامرة بل عقدة المؤامرة يفضح مودتهم لنشوب حرب تشنها أميركا أو حلف الناتو لحساب عواطف ورغبات أصحاب التحليلات هذه، الذين يكرهون أميركا إدارة وشعباً، وأميركا تعلم ذلك جيداً، ولم يفكروا لحظة واحدة في أن أميركا لا تخوض حروباً بالنيابة عن أحد، أو حسب الطلب، لا سيما العرب، ألم تكفنا حروب المنطقة كي ندعو لحرب أخرى تقوم بها دولة عظمى بالنيابة عنا؟! هل أصبحنا متعطشين للدم لهذه الدرجة؟!

المتابع الدقيق للشأن الإيراني سيرى أن هناك خطوات فعالة بل كبيرة اتخذتها الإدارات الأميركية السابقة وبريطانيا أيضاً.

الآن بعد تسنم تيريزا ماي مقاليد رئاسة الوزراء في بريطانيا نرى أن العقوبات الاقتصادية والعزلة الدولية بدأت تفعل فعلها منذ أمد ليس بالقصير، فدعم شعوب إقليم الأحواز العربي وكردستان إيران شمالاً قد بدأ فعلاً، بل إن بعض العمليات النوعية في العمق الإيراني ضد مصالح النظام ومقرات الحرس الثوري الإيراني قد بدأت فعلا بتكبيد إيران خسائر جسيمة، وهناك مناضلون فعليون يفعلون الكثير، لكنَّ هناك مغبونين من الإعلام الدولي بل وحتى العربي.

مؤتمر المعارضة الإيرانية في باريس كان ضخماً لدرجة أن الكثير من الساسة الدوليين من الأميركيين والأوربيين قد حضروه ودعموه، وهذه رسائل غليظة ومباشرة لإيران، وصلت إلى حد أن ما يسمى المرشد الأعلى لنظام الولي الفقيه خرج ولم يكد يكتم الألم والخوف، وقال بالحرف الواحد: "إن أعداءنا يريدون تفتيت إيران"، نعم هذا ما سيحدث أيها الولي الفقيه، فإيران ليست العراق وليست أفغانستان وليست ليبيا وليست سوريا، إيران بلد كبير وضخم جداً ومتعدد الأعراق بشكل معقد (راجع مكونات الشعب الإيراني أيها المحلل)، وصناع السياسة وقراراتها الاستراتيجية الدوليين يصنعون لكل دولة أسلوبها الخاص.
وضع إيران الآن:

1. دولة مدرجة على لائحة الدول الداعمة للإرهاب.
2. دولة تصدر ضدها تقارير انتهاك حقوق الإنسان كل شهر من أكبر منظمات حقوق الإنسان في العالم، وتقارير هذه المنظمات لطالما كانت المحرك لقرارات أممية سابقاً.
3. دولة تتم محاصرتها كل عام على الأقل بعقوبات اقتصادية جديدة إضافة للمستمرة منذ 10 أعوام.
4. دولة ما زالت البنوك الدولية ترفض التعامل معها رغم رفع العقوبات وهذا له رسائل خطيرة.

بعد السماح لإيران بتصدير نفطها الرخيص تم فرض عليها وفق الاتفاق النووي أن توقع صفقات تجارية مع الدول المفاوضة 5 + 1 حصراً، فعلى سبيل المثال لا الحصر تم إرغامها على شراء أسطول طائرات مكون من 80 طائرة من شركتي بوينغ أميركية وإيرباص الأوروبية، بقيمة تقريباً 17 مليار دولار، السعر الأصلي لم يتم الإفصاح عنه، وحسب أسعار السوق السائدة، فإنه يزيد الضعف عن المعلن (بل تم شراء عقود متفق عليها مسبقاً لصالح شركات نقل عالمية مثل طيران الإمارات وبيعها لإيران)، يسمى بيع حق شراء مستقبلي، وهذا الأمر يعني شيئاً واحداً فقط أن إيران دفعت أكثر من السعر المعتاد للطائرة مقابل تسلم الطائرة بسرعة في السنة القادمة 2018، فنلاحظ أن هناك دفعاً سريعاً لإتمام صفقات كبيرة وإجراءات أخرى تخص إيران، وكأن الدول الموقعة للاتفاق تنتظر شيئاً في الأفق ليس ببعيد جداً!

أغفلت التحليلات أموراً مهمة جداً فالاتحاد الأوروبي سائر إلى التفكك، وقد بدأته بريطانيا وهرعت مسرعة إلى منطقة الخليج، بل جلست تريزا ماي وسط اجتماع مجلس التعاون الخليجي، وهذا يحدث لأول مرة، وانتقدت إيران انتقاداً أغلظ من انتقادات ترامب بكثير، بل قالت بالحرف الواحد إن أمن الخليج هو أمن بريطانيا، وفي أقل من أسبوع توافد على المملكة العربية السعودية 3 من أكبر الشخصيات في بريطانيا (تيريزا ماي، رئيسة الوزراء، وبوريس جونسون، وزير الخارجية، ومايكل فالون، وزير الدفاع)، وتوالت تصريحاتهم المباشرة ضد إيران أيضاً.

هذا الاتحاد المتداعي قد يفرز أمراً طبيعياً، وهو أن بعض دوله ستهرع لإيجاد أسواق لها أو توسيع أسواقها مع منطقة الخليج، لا سيما الإمارات العربية والمملكة العربية السعودية، التي فعلاً عدلت قوانين الاستثمار لديها لهذا السبب بالذات.

تفكك الاتحاد الأوروبي لن يكون بأي حال من الأحوال ذا عواقب جيدة على الاتفاق النووي الإيراني إطلاقاً، فهذه الدول بينها دول قد بدأت علاقتها مع إيران تأخذ مجرى سيئاً مثل روسيا التي اصطلحت مع تركيا، بل بدأت بضرب داعش دون التنسيق مع إيران، ولا ننسَ حلم روسيا في مد خط غاز "Turk stream" الخط التركي، وبالفعل تم توقيع الاتفاق بين موسكو وأنقرة، وكما ذكرنا بريطانيا التي لا تكن كثيراً من الود لإيران وأميركا بتاريخها المليء بنقض الاتفاقيات، بل نادراً ما تلتزم باتفاق وما يفعله ترامب خير دليل على ضربه الاتفاقيات الدولية عرض الحائط الواحدة تلو الأخرى.

أغفل (المحللون) الدعم السعودي لأميركا، لا سيما دعم ترامب بملايين الدولارات لحملته الانتخابية، ثم بعد تنصيب ترامب رئيساً حولت السعودية مبلغ 100 مليار دولار دفعة واحدة إلى الصندوق السيادي السعودي في أميركا؛ ليصل إلى أكثر من 600 مليار دولار واعدة بتحويلات أكثر، وقريباً سيكون الصندوق السيادي، هذا أكبر صندوق في العالم؛ حيث يتربع الآن الصندوق النرويجي على المركز الأول بمبلغ يصل إلى 825 مليار دولار يليه الإماراتي بقيمة تقريباً 627 مليار دولار.

السياسة تعني مصالح، والمصالح هي اقتصاد ومال واستثمارات مشتركة واستراتيجية لا آنية، ولن تضحي أميركا وحلفاؤها بثروات كهذه تريليونية ضخمة لأجل عيون دولة منهارة فقيرة ترزح تحت عبء اقتصاد متهاوٍ وعقلية تحكمه تعود للعصور الوسطى، مكروهة من قِبل غالبية الشعب الإيراني نفسه الذي خرج في تظاهرات دامية ضدها قد تتكرر في أي لحظة ثم لا تحمد عقباها، وتذهب الاستثمارات هباء
منثوراً إذا ما استثمرت أي دولة فيها.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد