إلى المنسيين خلف الجدران القابعين في غياهب السجون.. فبعد انقلاب الثالث من يوليو/تموز تحولت مصر إلى سجن كبير لكل من يخالف الرأي لمن جاءوا على ظهر الدبابة، فلم يحفظ العسكر للشيخ وقاره ولا أقصد بالشيخ رجل الدين كما هو دارج بيننا، فالشيخ من أدركته الشيخوخة، فكان التنكيل والتعذيب لمن يقع في قبضتهم، ذلك النظام الذي لم يفرق بين الطفل والشاب والكهل جميعهم لم ينجوا من سياطه، ليس بعد القتل ذنب، فمن سهل عليه إراقة تلك الدماء لن ينظر بعين شفقة لأسراه..
تشابهت معتقلات السيسي في طرق التعذيب، لكن اختلف الأمر في مؤسسة المرج (العقابية) أو مقبرة الأحياء، كما يقولون.. فهي عالم آخر وحياة لها قوانينها ونظامها الخاص بها، سجن للأحداث لمن هم دون الثامنة عشرة، كل سجون مصر تدار بواسطة مأمور السجن التابع لمصلحة السجون، إلا أن سجن الحدث يدار بواسطة أخصائي اجتماعي ومن ثم بعض أفراد الشرطة، كان الهدف من تلك المؤسسة تأهيل المساجين وإصلاحهم، إلا أنها تعمل على مسح هويتهم ومحو شخصيتهم، فإعطاء الإشراف الداخلي لأخصائيين اجتماعيين ملمين بدراسة علم النفس والسلوك البشري لهو ما يثير الكثير من التساؤلات.
قد يلاحظ على بعض الأفراد الذين خرجوا منها تغير في سلوكياتهم وتفكيرهم وأسلوبهم بشكل ملحوظ، وهذا نتيجة لأساليب الضغط النفسي التي مورست عليهم.
تنقسم الأدوار التنظيمية فيها إلى القيادة ثم رئيس العنبر والساهرية، ثم السكرتارية والأمانات وتحال إلى الجنائيين المتعلمين، كل هؤلاء داخل السجن، أما في الخارج أفراد الشرطة والأمن، وهذا لا ينفي التنسيق بينهم في الكثير من الأمور.
أما عن النظام الداخلي، فلا يسمحون بالكلام في المؤسسة إلا في أوقات معينة لا يسمحون أيضاً بالتحرك من المكان إلا بعد الاستئذان، وألا ينظر أحد في طعامه وأن يأكل وهو رافع رأسه إلى أعلى، كما أن دخول الخلاء لا يتم السماح به إلا بعد الاستئذان فيهرب الكثير من المعتقلين للنوم؛ كي لا يواجهوا تلك الأوامر فيجدون أن النوم أيضاً لم يخلُ من تلك الأوامر، فالنوم في المؤسسة بطريقة معينة، وهي أن تنام على ظهرك ولا تتحرك أبداً، وإن غلبك نومك وتحركت عن يمينك أو شمالك فالضرب المبرح من أفراد الساهرية.. إلى آخره من أساليب غير آدمية تؤثر بالسلب على الجانب النفسي للسجين.
في صباح كل يوم تحدث تمارين أشبه بالتعذيب الذاتي، ومن ثم النظافة للعنبر بأكمله، أما عن أدوات النظافة فهي الغطاء الشخصي لكل فرد، ينهالون جميعاً على الأرض، ثم يقومون بمسحها؛ مما يؤدي إلى انتشار الكثير من الأمراض الجلدية، وفي ظل ضيق المكان وتكدسه بالأشخاص تنتقل العدوى بين نزلاء العنبر، ولا يتم العلاج إلا على النفقة الشخصية لا يقوم بالخدمة أفراد التنظيم، وإنما دورهم المراقبة والحساب فقط، ولك أن تتخيل حكم النفس على النفس، وتنفيذ النظام، وكأنه أنزل من السماء.
كان يشتكي بعض المعتقلين السياسيين بعدم السماح لهم بالاستحمام والوضوء والقراءة في المصحف والتجاوزات الأخلاقية في الداخل وتكدير من يخالف النظام، اهتدى الكثير من الجنائيين وبدأوا بتعلم القراءة والكتابة وكيفية الصلاة، من منظور آخر تطبع الكثير من السياسيين بطباع الجنائيين وأخلاقهم، فتم إسناد إليهم مناصب تنظيمية بالداخل، تم منع الكثير من الطلاب من أداء امتحاناتهم والتعنت من إدارة المؤسسة في دخول الكتب الدراسية لهم، كانت تلك شهادات رواها لي بعض الشباب الذين قد تم احتجازهم في تلك المؤسسة من قبل.
قد تكون المؤسسة العقابية كغيرها من السجون في التعذيب الممنهج، إلا أن استخدام أساليب الضغط النفسي لا يتم إلا للشباب؛ كي يخرج منها دون فكر وهوية.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.