ملحمة الحكومة.. وأسطورة العراق الجديد

بعد مرور آلاف السنين، تبدأ اليوم ملحمة "الحكومة" عندنا.. متشابهة من حيثُ الصراع، ولكن المتخاصمين لم يصبحوا أصدقاء ولا صديقين حميمين كغلغامش وأنكيدو. وملحمتنا الجديدة، أكثرُ تعقيداً من حيثُ الحبكة القصصية، وتسارع الأحداث، وتلاحمها من ملحمة غلغامش، فما زال أبطال ملحمتنا -"ملحمة الحكومة طبعاً"- يحتار فيهم المواطن العراقي،

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/05 الساعة 01:12 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/05 الساعة 01:12 بتوقيت غرينتش

من منا لم يسمع عن الملاحم والأساطير القديمة.. والملحمة هي قصة ٌشعرية طويلة مليئة بالأحداث، غالباً ما تَقصُ حكايات شعب من الشعوب في "بداية تاريخه"، وتحكي عن تحرك جماعات بأكملها، وبنائها للأمة والمجتمع.

الملحمة حكاية ٌبطولية تخبر عن بطولات جماعات أو بطولات شعب، وتقص أحداثاً وقعت في بداية تاريخ هذا الشعب، وهي أنموذج إنساني يُحتذى به، نطمح جميعاً إلى تحقيقه..! وقد تحتوي الملحمة على أساطير، وقد تدخل الأسطورة في نسيج الملحمة، ولكن لا تتداخل الملحمة مع الأسطورة؛ فالملحمة شيء، والأسطورة شيء آخر.

الكل سمع عن "ملحمة غلغامش"، وهي ملحمة سومرية مكتوبة بخط مسماري على 12 لوحاً طينياً، تتحدث عن غلغامش؛ ملكِ أورك "الوركاء" الذي كانت والدته إلهة خالدة ووالده بشراً فانياً، ولهذا قيل بأن ثلثيه إله والثلث الباقي بشر..! وبسبب الجزء الفاني منه يبدأ بإدراك حقيقة أنه لن يكون خالداً.

تجعل الملحمة ُغلغامش ملكاً غيرَ محبوب من قِبل سكان أورك، حيث تنسب له ممارسات سيئة؛ منها أنه يدخل بالعروس قبل أن يدخل بها زوجها، وأيضاً تسخير الناس في بناء "سور ضخم" حول أورك العظيمة.

ابتهل سكانُ أورك للآلهة بأن تجد لهم مخرجاً من ظلم غلغامش، فاستجابت الآلهة وقامت إحدى الإلهات، واسمها "أرورو"، بخلق رجل وحشي، كان الشعر الكثيف يغطي جسده، ويعيش في البرية، يأكل الأعشاب ويشرب الماء مع الحيوانات، أي إنه كان على النقيض تماماً من شخصية "غلغامش المدني".. واسمه "أنكيدو".

ولما عرف أنكيدو بهذا، قرر أن يتحدى غلغامش في مصارعة ليجبره على ترك تلك العادة.. يتصارع الاثنان بشراسة، فهما متقاربان في القوة، ولكنّ الغلبة في النهاية كانت لغلغامش، حيث اعترف أنكيدو بقوته، وبعد هذه الحادثة يصبح الاثنان "صديقين حميمين"!

بعد مرور آلاف السنين، تبدأ اليوم ملحمة "الحكومة" عندنا.. متشابهة من حيثُ الصراع، ولكن المتخاصمين لم يصبحوا أصدقاء ولا صديقين حميمين كغلغامش وأنكيدو. وملحمتنا الجديدة، أكثرُ تعقيداً من حيثُ الحبكة القصصية، وتسارع الأحداث، وتلاحمها من ملحمة غلغامش، فما زال أبطال ملحمتنا -"ملحمة الحكومة طبعاً"- يحتار فيهم المواطن العراقي، من الذي سرق؟! ومن الذي يدور حول مكسبه الشخصي؟!، فالكل يسرق، والكل وعدته آلهة النزوات بالملذات.

ويحتار العراقي فيهم؛ من الذي سيجيّش الجيوش لرد حقوق العراقيين، والكل فيهم قد جربه العراقيون ولم يفلح؟! ويحتار العراقي فيهم؛ من الذي سيكون مدافعاً عن المظلومين كما فعل "أنكيدو" ضد "غلغامش" والكل فيهم يدّعي الوطنية وأخطاؤه أكبر حتى من عين الشمس؟!

ويحتار المواطن فيهم؛ من الذي سيحاصر المفسدين ويذود دماً عن بلده وعِرضه والكل فيهم قد دين بالفساد وطفح الكيل من خنوعه وسكوته عن مآسي أبناء جلدته، فحدودنا مخترقة، ونفطنا مسلوب، وسيادتنا منقوصة، وأبناؤنا وشبابنا تأكلهم البطالة…؟! ويحتار الزمن فيهم؛ من الذي سيأتي بالحل فيخرق العدم الساكن وهم يرون الدم العراقي يباحُ كل لحظة، وعدم الشعور بالمسؤولية وهم يرون الفقر المدقع وقلة الخدمات؟!..

هل لهم من ضمير، كي يحركوه؛ لإنهاء ملحمة الدم الخاصة بهم، والشعب الآن يذبح قهراً وصبراً، وتُنتهك أحلامُه وأمانيه كلَ يوم دون راعٍ يحمي مصالحه؟

من الذي سيأتي ليخرق كل ذاك، ويبني تلك الحكومة "الأسطورية" بعد سنين عجاف، وما زلنا ننتظر…؟! وهل لنا من فرسان يكتبهم تاريخنا القادم؟! وهل ظنوا أنهم فعلاً يكتبون التاريخ لهم ولأهلهم بهذه المواقف الضعيفة؟! وهل يمكن أن نظن أن الموجودين الآن فيكِ يا "ساحةَ السياسة العراقية" الحالية هم المنقذون؟! هل يملكون أن يقدموا أنفسهم لنصرة شعبهم؟! هل لديهم القدرة على النضوج لأجل المصلحة الكبرى وهي "الوطن والمواطن"؟!… هذا ما ستخبرنا به الأيام القريبة المقبلة ونتمنى ألا يطول الانتظار..!

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد