إنجازات للأجيال القادمة.. لا للانتخابات المقبلة

هكذا كان رد الرئيس التركي على مَن يروج بأن التعديلات الدستورية التي سيستفتى فيها الشعب التركي أبريل المقبل هدفها تحقيق أحلام أردوغان في الاستمرار في السلطة، والسيطرة على مؤسسات الدولة

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/02 الساعة 01:43 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/02 الساعة 01:43 بتوقيت غرينتش

قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان: "يقولون أردوغان يبني مجداً لنفسه!
قلت: أردوغان ليس مخلداً، أردوغان فانٍ… أردوغان لا يضمن أن يبقى لـ16 أبريل/نيسان المقبل!".
هكذا كان رد الرئيس التركي على مَن يروج بأن التعديلات الدستورية التي سيستفتى فيها الشعب التركي أبريل المقبل هدفها تحقيق أحلام أردوغان في الاستمرار في السلطة، والسيطرة على مؤسسات الدولة.

إن قادة العدالة والتنمية التركي برهنوا طيلة 15 عاماً على أنهم من الساسة الوطنيين الذين تنطبق عليهم مقولة المفكر والسياسي شكيب أرسلان: "الوطني يفكر بالأجيال القادمة، أما السياسي فيفكر بالانتخابات القادمة".
وأدلة هذا الأمر كثيرة، أقواها الرؤية الاستراتيجية لنهضة تركيا "2023 -2053 2071" التي اعتمدها حزب العدالة والتنمية منذ وصوله للحكم، والتي تسعى للوصول بتركيا إلى مصاف الدولة المتقدمة على جميع الأصعدة، هذه الرؤية لا تستهدف تحقيق مصالح المواطن التركي في الحاضر، بل لتحقيق مصالح الأجيال القادمة من الأتراك.

هذه الرؤية الاستراتيجية وما نتج عنها من مشاريع كبرى وإنجازات تنموية عظيمة لم يكن هدفها غرضاً انتخابياً أو غاية سياسية تجعل العدالة والتنمية يستمر في السلطة لسنوات طويلة، إنما كانت تستهدف إكرام الشعب التركي وإخراجه من حال الهوان والذل التي عاشها لعقود من حكم سلطة الانقلابات، وتحكم المؤسسة العسكرية في جميع مفاصل الدولة التركية.

صحيح أن العدالة والتنمية التركي حقق نجاحات انتخابية كثيرة ومتنوعة؛ حيث فاز في الانتخابات التشريعية أعوام 2002 – 2003 – 2007 – 2011 – 2015، وفي الانتخابات البلدية 2004 – 2009 – 2011 واستفتاءين عامَي 2010 – 2014، وفي الانتخابات الرئاسية عام 2014.

الفوز في هذه الاستحقاقات كان نتيجة طبيعية للإنجازات المتتالية التي عرفتها تركيا منذ أكثر من عقد، لكنها لم تكن هدفاً في حد ذاته للحزب وقادته؛ لأن الشعب التركي نظر للعدالة والتنمية على أنه الأمل والحزب المخلّص مما وصلت إليه تركيا، "تركيا الأزمات والنكسات"، والحزب لم يخيّب ظن الأتراك وكان في مستوى الأماني والتطلعات.

هذه الثقة التي منحها الشعب التركي للحزب كانت نتيجة يأس من واقع حالك، لخَّصه الكاتب التركي "ماركار أسيان" في مقاله "روح 2002 ورؤية 2023" بالعبارات التالية: "في الثمانينات كنت طفلاً وفي التسعينات أصبحت شاباً، كانت لا توافق شخصيتي كل من صفات اليأس والهزيمة والتشاؤم، ولكن كنت أرى تلك المواصفات هي الرائجة في بلدي وأحزن كثيراً لأجل ذلك، الأكثرية القاهرة هي التي كانت تحمل قناعة أن بلادنا خالية من الرجال ولن يتغير وضعها، لقد كنت أحزن حزناً شديداً تجاه هذه القناعة، ليست تلال القمامة هي الوحيدة التي ملأت الشوارع في ذلك الوقت، بل مشاعر اليأس وقلة الثقة كانت أيضاً هي المسيطرة على النفوس.. كنا لا نستطيع أن نرفع رأسنا بسبب كثرة الأزمات الاقتصادية، وأما عامة الشعب فإنهم كانوا يحاولون رمي أنفسهم إلى الخارج بأية طريقة كانت، وبالأخص الشباب".

اليوم خرجت تركيا من حال "الأزمات والنكسات" وانتقلت إلى مصاف الدول المتقدمة التي تحقق الاكتفاء الذاتي في غالب المجالات التي يمكنها تحقيقه فيها، بفضل الإنجازات والمشاريع الكبرى التي حققتها الحكومة التركية طيلة 15 عاماً.

فكان دائماً يكافأ من الشعب التركي بأغلبية مريحة في جميع الاستحقاقات الديمقراطية التي خاضها، قال "ماركار أسيان": "حزب العدالة قدم أعمالاً عظيمة واستطاع تغيير رؤية دولة بأكملها، لم يخسر أي شيء من قيمته، واستطاع المحافظة على أساسه السياسي رغم كل المداخلات المبذولة ضده، ظل واقفاً على رِجلَيه رغم كل الصعاب، ونتيجة ذلك أن أصبحت إرادة الشعب والصندوق والانتخابات هي صاحب الدور الحازم في هذا البلد".

إنجازات العدالة والتنمية أنقذت دولة وشعباً وحضارة حكمت العالم بقيمها ومبادئها الرفيعة، وكانت تجربة ناجحة لحزب سياسي يحافظ على قيمه الإسلامية وهوية الحضارية واللغوية، مع الانفتاح على العالم، واستفاد من مخرجات الحضارات الأخرى، وحتى عام 2023 واكتمال الجزء الأول من الرؤية الاستراتيجية الثلاثية، لا شك أن التجربة التركية ستصبح "أنموذجاً" يقتدى به عربياً وإسلامياً وعالمياً، كباقي النماذج الناجحة التي عرفها العالم في العقود الأخيرة.

لقد حقق العدالة والتنمية ما يسعى له كل حزب سياسي وقادته، بحماية مصالح الأتراك الآنية، والعمل على حفظ مصالح ومستقبل الأجيال القادمة، وتسليمها وطناً قوياً ذا زعامة ونهضة.

فإنجازات العدالة والتنمية لا تستهدف مطامع انتخابية ومصالح اقتصادية ضيقة، وإنما خدمة وطن وحضارة ودين وأمة تستحق كل هذه التضحيات والإنجازات.

تجربة العدالة والتنمية في الحكم تجربة ناجحة مليئة بالنجاحات والإنجازات، وأقوى هذه الإنجازات هو ربط الحاضر بالمستقبل، وربط أجيال اليوم -آباء وأجداد الأجيال القادمة- بهويتهم وتاريخهم، وفتح الطريق أمامهم من أجل الاستمرار على طريق السلف الأوائل، مع تسليم هذه الأجيال وطناً ناهضاً قوياً.

تركيا اليوم تستحق لقب الدولة الناجحة، دولة كما تمنَّاها السلطان محمد الفاتح -رحمه الله تعالى- حينما قال: "إن الدولة التي لا تخدم مواطنيها ليست دولة".

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد