عاش خيرت فيلدرز في بيوت مؤمنة تحت الحراسة على مدار 24 ساعة لحمايته من إسلاميين هددوا بقتله وذلك منذ أن وصل رجال الشرطة فجأة إلى بيته مساء يوم في عام 2004 لمرافقته هو وزوجته إلى حيث الأمان.
في وقت سابق من ذلك اليوم أطلق متطرف النار على المخرج السينمائي ثيو فان غوغ وطعنه وكاد يفصل رأسه عن جسده واعتبرت السلطات أن فيلدرز مرشح ليكون الهدف التالي لكثرة انتقاده للإسلام.
ولم تزده قرابة 13 عاماً تحت قيد الحراسة المتواصلة إلا اقتناعاً بأفكاره. والآن يريد فيلدرز (53 عاماً) وقف هجرة المسلمين إلى هولندا وإغلاق كل المساجد وحظر القرآن الذي يشبهه بكتاب أدولف هتلر "كفاحي".
على قوائم طالبان والقاعدة
وفيلدرز ضمن قوائم أهداف طالبان وتنظيم القاعدة وهو يحمل الإسلام مسؤولية تقييد حركته لسنوات طويلة بعد أن كان دائم السفر في مختلف أنحاء العالم.
قال فيلدرز خلال شهر فبراير شباط "لا أستطيع أن أتذكر شعور عبور الطريق وحدي. لا أود أن يحدث ذلك لألد أعدائي. لكني على الأقل أعرف لماذا أفعل ما أفعل. فمهمتي هي ضمان أن تظل هولندا حرة على النقيض من حياتي الخاصة."
وأصبح فيلدرز الذي يحب الأضواء ويمشط شعره بطريقة مميزة قاب قوسين أو أدنى من قيادة أكبر الأحزاب في البرلمان الهولندي بعد الانتخابات التي تجري الشهر المقبل.
واستبعدت أحزاب أخرى إبرام ائتلاف معه الأمر الذي سيبعده على الأرجح عن الحكومة خاصة منذ إدانته في ديسمبر/كانون الأول بالتحريض على التمييز وذلك لقيادته حشداً جماهيرياً في الهتاف بالمطالبة بتقليل عدد المغاربة. وقبل أسبوعين ردد هذا الهتاف مطالباً بشن حملة على "الحثالة المغربية".
ويقول رئيس الوزراء مارك روته المنتمي ليمين الوسط -الذي سبق أن قاد حكومة أقلية استبعد منها فيلدرز لكنه اعتمد على تأييده- أنه لن يعمل قط معه لأنه "معاد لحريات مجتمعنا وقيمه".
أزعج مسلمي هولندا
غير أن احتمال أن يعزز فيلدرز مكانته حتى وهو خارج السلطة أزعج مسلمي هولندا الذين يشكلون 5% من السكان.
قالت دنيا جاري الناشطة الهولندية من أصل مغربي التي تساعد الشباب المسلمين المثليين من الجنسين والمتحولين جنسياً على التكيف مع أوضاعهم "الأمر لا يتعلق بحرقه المصاحف أو إغلاق المساجد فعلياً لأننا نعرف أن هذا مستبعد جداً. لكن مع نشره الكراهية لن يصبح هو هدفاً بل يمكن أن أصبح أنا هدفاً في الشوارع لشخص يشاركه أفكاره."
رغم تشبيه فيلدرز في كثير من الأحيان بآخرين من خارج المشهد السياسي الرئيسي من أمثال اليمينية الفرنسية مارين لوبان والبريطاني نايجل فيراج المناهض للاتحاد الأوروبي أو للرئيس الأميركي دونالد ترامب فقد خرج هو من قلب المشهد السياسي في هولندا.
فعندما قتل فان غوغ عام 2004 كان فيلدرز قد انسحب من حزب يمين الوسط الرئيسي بسبب معارضته لانضمام تركيا للاتحاد الأوروبي. وفي فبراير شباط 2006 أسس حزب الحرية الذي يتزعمه وجمع بين الوعود التحررية لزيادة حدود السرعة في القيادة وبين الخطاب المتشدد المناهض للمسلمين.
ويرى أغلب الهولنديين أن الانفتاح والتسامح الديني من الخصال الأساسية لدى الشعب في بلد يعيش على التواصل مع العالم ويجوب البحار.
وقد كانت هولندا ملاذاً أوروبياً للاجئين منذ القرن السادس عشر عندما انفصل الهولنديون وغالبيتهم من البروتستانت عن إسبانيا الكاثوليكية وكرسوا دولتهم الجديدة للحرية الدينية ووفروا الحماية للأقليات بمن فيهم يهود إسبانيا.
ويقول فيلدرز إن "العقيدة الشمولية" في الإسلام هي التي تهدد هذا التسامح ذاته. وهو يشعر بحماس شديد تجاه الشرق الأوسط منذ قضى فترة في مزرعة تعاونية إسرائيلية (كيبوتز) في فترة المراهقة ويقول إن معارضته للإسلام تنبع من مقارنة انفتاح إسرائيل بجيرانها.
وبمرور الوقت ازدادت معارضة حزبه للإسلام حتى أن ثلث برنامج الحزب المكون من صفحة واحدة أصبح مخصصاً لهذا الأمر.
العزلة
عندما دخل فيلدرز الحياة السياسية عام 1990 دون أن يكون حاصلاً على شهادة جامعية بعد أن أمضى فترة في العمل في مجال التأمين الصحي حدث ذلك بصفته متخصصاً في السياسات الاجتماعية يقدم المشورة لأصحاب التيار الليبرالي حول سبل خفض إعانات البطالة التي كانت في غاية السخاء في هولندا حينذاك.
ويتذكر زملاؤه أنه كان يتصرف كخبير يتمتع بتمكن سياسي محنك من تخصصه الفني وليس لديه الوقت للمناسبات الاجتماعية. وبدأ حزبه بداية مماثلة في مسار تكنوقراطي مؤيد لقطاع الأعمال.
وعلى مدار سنوات العزلة ازدادت المساحة الخاصة بمناهضة الإسلام في هذا البرنامج. وبموجب نظام حمايته يجلس أعضاء حزبه بالكامل في منطقة خاصة مؤمنة في البرلمان معزولة عن بقية النواب كما يحظر عليهم زيارة حانة البرلمان.
ويجلس أمام باب مكتبه حارسان مسلحان. حتى وهو يزور أسرة زوجته في بودابست يتم تجهيز بيوت مؤمنة لاستخدامها في حالات الطوارئ.
وتتحول عزلته إلى استعداد لخوض مسار منفرد في الحياة السياسية. فقد كان سبباً في انهيار حكومة الأقلية برئاسة روته عام 2012 وذلك برفضه تأييد تخفيضات الإنفاق الاجتماعي الضرورية لتلبية قيود الإنفاق في الاتحاد الأوروبي فاستعدى بذلك طبقة سياسية تثمن الإيجابية قبل أي شيء آخر.
ورغم حصول حزبه على نحو 17% أي ما يكفي لكي يخرج الحزب من الانتخابات كأكبر الأحزاب فقد قال فريتس بولكستاين الذي كان يقود الليبراليين عندما كان فيلدرز يعمل فيما يخص السياسات في الحزب إن عقليته ليست العقلية المناسبة لدخول الحكومة.
وأضاف أنه "ليس مستعداً لإجراء التغييرات الضرورية للحكم بسبب تكوينه العقلي. إذا كنا نريد أن نحصره في حجمه الطبيعي فلنكلفه بمسؤولية. فإذا أدار وزارة كبيرة فسيفشل على الأرجح."
ولجأ شقيقه بول إلى التغريد على تويتر كما أجرى أحاديث مع وسائل إعلامية لكي ينأى بنفسه عن سياساته.
وقال بول فيلدرز لقناة آر.تي.إل نيوز "الاستغلال السياسي للاضطرابات الاجتماعية شيء خطر. فمن يعرضون أفضل الفاكهة تألقاً في السوق يبيعون في الغالب أكثر البرتقال سموماً."
كبر فيلدرز في أسرة كان هو أصغر أطفالها في ليمبورج التي يغلب عليها الكاثوليك في جنوب شرق هولندا حيث تمتد الأراضي الهولندية بين بلجيكا وألمانيا وهي منطقة تعتبر من التقاطعات الرئيسية في الأزمنة الغابرة.
وكان والده مديراً في شركة أوسي لمعدات الطباعة التي اشترتها شركة كانون اليابانية فيما بعد. أما والدته فكانت ابنة جندي ولدت في إندونيسيا عندما كانت إندونيسيا ذات الغالبية المسلمة مستعمرة هولندية. وهو يقول إن والديها كانا هولنديين أما هو فكان له أبناء عمومة من الإندونيسيين مزدوجي العرق وإن تلك الخلفية الدولية أثرت في تنشئته.
وأدمن فيلدرز السفر بعد رحلته الأولى إلى الشرق الأوسط فجاب شرق أوروبا وزار إيران مراراً أثناء عمله لحساب الليبراليين.
ويتذكر لازلو ماراش الأكاديمي المجري من أصل هولندي الذي ساعده فيلدرز في كتابة تقرير في التسعينيات عن حقوق الأقليات المجرية في شرق أوروبا أن فيلدرز كان ذا شخصية ساحرة قبل تقييد حركته. وكان يحب أن يلعب ألعاب النرد ذات التحديات الشديدة من أجل الاسترخاء.