مناطق آمنة أم دولة كردية؟!

من يتأمل مشهد دعم الولايات المتحدة في ظل إدارة الرئيس الجديد دونالد ترامب لقوات سوريا الديمقراطية (الكردية) بالأسلحة الثقيلة والمدرعات الحديثة، ومن يقرأ ما بين سطور الدستور الروسي المقترح للدولة السورية،

عربي بوست
تم النشر: 2017/02/27 الساعة 00:24 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/02/27 الساعة 00:24 بتوقيت غرينتش

من يتأمل مشهد دعم الولايات المتحدة في ظل إدارة الرئيس الجديد دونالد ترامب لقوات سوريا الديمقراطية (الكردية) بالأسلحة الثقيلة والمدرعات الحديثة، ومن يقرأ ما بين سطور الدستور الروسي المقترح للدولة السورية، وينظر جيداً للتوقيتات الزمنية التي تم فيها اتخاذ تلك الخطوات وما سنطرحه الآن- فسيدرك أن هناك شيئاً ما يتم العمل عليه بالورقة الكردية.

فالدستور الروسي الذي قُدّم منذ عام تقريباً قبل أن يعود مجدداً في العلن، بعد أن أدركت موسكو أن الوقت حينها لم يكن مناسباً لطرح ذلك المشروع، ولكن الآن -وبعد تصريحات سيرغي لافروف التي قال فيها: "لولا تدخل روسيا لضاعت دمشق في ظرف أسبوعين"، وهو التصريح الذي حمل رسالة مباشرة لكلٍّ من طهران ودمشق- قد جاء الوقت المناسب لطرح ذلك الدستور الذي ينزع الهوية العربية عن الدولة السورية، ويكتب بين سطوره شهادة ميلاد الدولة الكردية.

وإذا كان هذا هو المشهد بموسكو، فواشنطن كانت حاضرة أيضاً وعلى الخط نفسه، فالدعم السخي من البنتاغون لقوات سوريا الديمقراطية، أجبر صالح مسلم على شكر الولايات المتحدة علناً، قبل أن يطلق دونالد ترامب مشروع المناطق الآمنة. ورغم أن أردوغان طرح ذلك المشروع منذ سنوات بتفاصيله الحالية نفسها، فإن موسكو دائماً ما كانت تنزع مثل تلك الأفكار من عقل أردوغان.

والآن وبعد طرح ترامب المشروع نفسه، لم يتلقَّ ترامب أي استهجان من موسكو؛ بل رحب به وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف. وحقيقة الأمر، مشروع المناطق الآمنة لا يخدم اللاجئين السوريين كما يروج البعض؛ بل هو يرسم الخطوط الأولى للدولة الكردية، ولذلك تراجع أردوغان سريعاً عن فكرة تقدم عملية درع الفرات بعد مدينة الباب (المحاصرة حالياً بين الجيشين؛ التركي من الشمال والسوري من الجنوب).

وذلك لأن أردوغان أدرك جيداً أن أي مناطق آمنة في ظل الظروف الراهنة ستتحول إلى بؤرة صراع عرقية ستنعكس بشكل مباشر على الداخل التركي، في ظل الحرب الشرسة التي يخوضها الأكراد ضد الأمن التركي داخل الحدود التركية، حتى وإن أشرفت تركيا على تلك المناطق.

وبالتأكيد، تلك المشاهد لم تكن بعيدة عن اللقاء الذي دار بين العاهل الأردني والرئيس الأميركي في أثناء زيارة الأول للولايات المتحدة، إن لم يكن مشروع المناطق الآمنة هو أساس وصلب الحوار الدائر بينهما، وربما قد أتى قبل ملف نقل السفارة الأميركية إلى القدس نفسه.

وإذا كانت واشنطن تحضّر أدواتها للتعامل الجديد مع الملف السوري، فالرئيس الإيراني يتحضّر لزيارة موسكو في ظل حالة عدم انسجام واضحة بين موسكو وطهران على ما تنتهجه موسكو مؤخراً تجاه دمشق، بجانب حالة التنافس الشرسة على الكعكة السورية رغم عدم انتهاء المعركة، بعد أن وقّعت إيران على 5 اتفاقات مع سوريا مؤخراً تضمنت منح رخصة للإيرانيين لإنشاء وإدارة شبكة جديدة للهواتف الجوالة، وتخصيص 5 آلاف هكتار من الأراضي السورية لتأسيس مصفاة نفطية و5 آلاف هكتار أخرى لمشروع زراعي، وإعطاء الحق في إدارة مناجم الفوسفات جنوب مدينة تدمر، علاوة على حق استغلال أحد الموانئ السورية، وربما نرى الحرس الثوري الإيراني بمرفأ اللاذقية قريباً.

فكل ذلك يجعلنا ننتظر ما سيسفر عنه لقاء بوتين وروحاني، وما يحضره خامنئي قبل ذهاب روحاني لموسكو، وكيف سيكون شكل ترمومتر التوتر بين إيران وترامب، في ظل استعداد إسرائيل لخوض المعركة الثالثة ضد حزب الله.

والأمر الذي يؤكد رؤيتنا نحو تحرك جديد بالورقة الكردية هو بحث الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه مسعود بارزاني مع التحالف الوطني الذي يترأسه عمار حكيم مسألة انفصال إقليم كردستان بشكل مباشر وعلني، في خطوة هي الأولى من نوعها.

المشهد الحالى يطرح سؤالاً هاماً: هل هناك تنسيق سري، ومن البداية، بين واشنطن وموسكو نحو مصير الأكراد؟ كما أن ما يزيد القلق هو غياب صوت دمشق في مشاهد خطيرة جداً كانت تحتاج للتعليق، بالتزامن مع إطلاق حملة شائعات حول صحة الرئيس بشار الأسد، في ظل وضع سوري ميداني معقد جداً داخلياً، ولا ننسى أن معركة حلب هي آخر المعارك العسكرية الروسية على أرض سوريا، وأن بوتين سيعوّل على التنسيق مع تركيا وإدارة ترامب، ملتزماً بنصائح جنرالات الجيش الروسي الذين طالبوه منتصف العام الماضي بضرورة الانسحاب من سوريا قبل حلول 2017؛ لما تتكبده الخزانة المالية للجيش الروسي من تكاليف باهظة، وفي ظل فتح أولى صفحات الملف الليبي.

وبالتأكيد، إذا أنتج سايكس-بيكو الثاني الدولة الكردية، فهذا لا يغضب ما أنتجه سايكس-بيكو الأول منذ 100 عام؛ ألا وهو دولة الاحتلال الإسرائيلي، فنقاط التقاطع بين المشروعين كثيرة جداً، كما أن تل أبيب لم تكن يوماً بعيدة عن ذلك الكيان وقت أن كان جنيناً في أيامه الأولى، فهل ينتج لنا الترسيم الجديد بعد تقسيم المقسَّم دولة الأكراد، وحينها تعود كلمة الفدرلة بالملف السوري من جديد؟

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد