الدعوة أبداً لا تفشل ولكن منهاجاً قد يسقط، ومحاولة استعادة الدفة بالمنهاجية نفسها هي تكرار للفشل والسقوط نفسه؛ بل ربما أردي من هذا بسقوط أكبر.
كفوا عن العويل والصراخ وبكاء اللبن المسكوب، فما عاد يجدي نفعاً مع سلطوية متجبرة لا تراوغ في خططها، لكنها تسلك مسلكاً متغطرساً لا هوادة فيه وتقوم بمنهاجية المستبد الدامي الذي لا وجود لغيره.
فقط، نعي الأمر وندرك أخطاء ما سبق ومن سبق، فقيادة المشهد الحالي بالوجود نفسه أمر معيب وقصور في إدراك التحديات -لهم منّا كل الإجلال- ولكن لو كانوا كفئاً لما صرنا لما آل إليه المشهد. وأعتقد أن سياق مشهد الذبيح لن يُدّر علينا أي خير أو إحراز أي تقدم على الساحة بعد 4 سنوات من سلوك الطريق والمنهاجية نفسها.
فشل المنهاجية لا يعني أبداً فشل الفكرة، الفكرة تفشل حينما يتم تطبيقها بأكثر من منهاج وتفشل على كل وجه، ولا أحسب أن فكرة "الإسلاميين" قد فشلت؛ لأنها لم تسلك سوى منهاجية واحدة منذ نشأتها في عشرينات القرن الماضي وخوضها العمل السياسي بعد سقوط الخلافة العثمانية، وهي تسلك المنهاجية نفسها في التعامل مع السلطوية المتأصلة في الوطن العربي، خاصة لو اتخذنا من مصر حالة للدراسة.
الإسلاميون في مصر لم يحسنوا سوى صناعة المعارضة ولعب دور المظلوم طوال عقود من السلطوية، وحينما تبدّل الأمر وآلت صَنعة الحكم إليهم استخدموا المنهجية نفسها التي أودت بهم إلى مهاوي الردى، فما استطاعوا قياماً.
الأمر إذاً في اتخاذ منهاجية أكثر ثورية من كونها إصلاحية، وإلا فسيظل الوضع قائماً بهذا الشكل إلى أن يحدث تغيير في أحد مكونات اللعبة لا يكون للإسلاميين يد في هذا التغيير، ولا أرى أنه سيكون هناك سخط داخلي حيال هذا الأمر من جهات التنظيم الداخلية -أقصد من بداخل حدود الدولة- والفئات الأكثر تضرراً -الشباب والطلاب والصفوف العميقة- بل على العكس سيكون حَدثاً أكثر أهمية وتأثيراً من حجم الخلافات بين المنقسمين في الخارج.
هذه المنهجية تكون أكثر ملاءمة لواقع مرير غاشم قد فرض نفسه على الساحة بفعل إرادة السلطوية الجديدة التي أصبحت تتحكم في المشهد السياسي رغم الإخفاقات الاقتصادية التي أحدثت سخطاً شعبياً، ولكنه يبقى سخطاً بفعل إجراءات اقتصادية قد مسّت المواطن البسيط لا بفعل الانتهاكات الجسيمة للديمقراطية التي لم تعد موجودة من الأساس ولا بفعل اختفاء حقوق الإنسان من الساحة.
ولا أحسب أن قيادة المشهد من "الإسلاميين" تعدّ السخط الشعبي الموجود حالياً في مصر انتصاراً لمنهاجيتها في التعامل مع المشهد -إن حدث هذا فهو من قبيل عدم الدراية بالأمور- الأمر بفعل النظام نفسه من دون تدخل أي فصيل من فصائل المعارضة. فكما أسلفت، أزمة الشارع في مصر هي أزمة اقتصادية بالأساس جراء أخطاء تقديرية ارتكبتها الحكومة الحالية وتتحمل المسؤولية عنها كاملة. ولا دخل للإسلاميين ولا لأي منهم في أمر السخط الشعبي القائم وهذا يُعد أيضاً من قبيل القصور في المنهاجية.
على مدى 4 أعوام، ثَبُتَ جليّاً الإخفاق على المستوى الدولي في معارضة السلطوية المصرية، على سبيل المثال، وبدا واضحاً للعيان أن السلطوية الجديدة تحقق انتصارات خارجية إذا ما قورنت بالجهود المبذولة من جهة الإسلاميين في الخارج الذين أغرقتهم الانقسامات والمهاترات الداخلية والتي أحسبها مظهراً صحياً لو اتخذت سبيلاً للتجديد واستبدال هذه المنهاجية بأخرى، وكان ذلك برهاناً من براهين فشل المنهجية المُتّخذة لإضعاف الموقف الخارجي للسلطوية المصرية.
ولكن حدث عكس المتوقع ووجدنا استكمالاً للممارسات السلطوية بالخارج، ولا أرى اهتزاز المكانة الخارجية بعد التغير السياسي في 2013 انتصاراً للمنهجية التي سلكها الإسلاميون في محاربة السلطوية الوليدة، ولكنه كان بفعل تأثيرات أخرى على القيادة الحالية نفسها وضعف الشخصية الدولية المُتولد من أسباب تخص النظام السلطوي نفسه وليس انتصاراً لمنهاجية الإسلاميين المعارضين.
يبقى أن أقول: إن هذه الفكرة لن يُكتب لها الفناء ما دام هناك من يؤمن بها حق الإيمان، ويعمل في سبيلها بإخلاص وفداء، وقد ضحى في سبيلها منذ نشأتها ألوف من البشر ولا ينقصها -برأيي- سوى النهج الملائم للواقع بمعطياته.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.