في هذا المقال نحاول أن نقيس مستوى معيشة الطبقة العريضة من الشعب المصري، ومقارنة أوضاعها ودخولها منذ فترة العصر الملكي وحتى الآن، ونقيس ذلك من خلال كم يعادل الدخل الشهري للموظف أو الفرد العامل من غرامات الذهب، باعتبار الذهب مقياساً ثابتاً نوعياً يمكن القياس عليه عبر هذه الفترات.
هل بالفعل كان المصريون الذين عاشوا في ظل الحكم الملكي لمصر قبل عام 1952 أفقر بكثير من الأجيال التي أعقبتهم وحتى الآن، كما دأب الإعلام والكُتاب على تصوير ذلك دوماً أم أن العكس هو الصحيح في الحقيقة، فإن بعض الأرقام التي وردت في الدراسات والإحصائيات تخبرنا عكس ذلك.
ففي تقرير صادر عن الحكومة البريطانية عام 1955 عن تقديرات لتوزيع الدخل في مصر قبل ثورة 1952 (Issawi، Charles: Egypt in revolution، oxford university press، 1963، p. 118، 150) يشير التقرير إلى أن 1% من إجمالي سكان مصر كانوا يحصلون على دخل سنوي يزيد على 1500 جنيه للأسرة في السنة، بينما كان 80% من السكان يحصلون على دخل سنوي يقل عن 240 جنيهاً للأسرة، وباقي السكان، ويمثلون 19% من السكان، يحصلون على دخل سنوي يتراوح بين 240 جنيهاً و1500 جنيه للأسرة في العام.
هذا يعني أن الشريحة العظمى من المجتمع المصري في ذلك الوقت كانت تتحصل على دخل سنوي في المتوسط في حدود 240 جنيهاً، وإذا قمنا بحساب هذا الدخل بالأسعار الثابتة مقوماً بمعدن كالذهب، نجد أن الجنيه المصري في ذلك الوقت قبيل عام 1952 كان يساوي بعد تخفيضه 3.6 غرام من الذهب الخالص، أي أن هذا الرقم 240 جنيهاً مضروباً في 3.6 غرام من الذهب يساوي 864 غراماً من الذهب، وإذا كان بحسابات الواقع الحالي عام 2017، الغرام من الذهب عيار 21 بحوالي 550 جنيهاً، إذاً فالقيمة المقابلة لمبلغ الـ240 جنيهاً مصرياً تساوي 475 ألف جنيه بأسعار اليوم، وبالقسمة على 12 شهراً كان دخل الأسرة في المتوسط شهرياً 39600 جنيه.
طريقة حساب أخرى
طبقاً لأسعار اللحم سنة 1950 كان كيلو اللحم بعشرة قروش (راجع عباس الطرابيلي – جريدة الوفد 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2011 – أسعار اللحوم ومشوار عمره 71 عاماً)، أي أن الجنيه يأتي بعشرة كيلو من اللحم، أي أن الـ240 جنيهاً التي يحصل عليها الموظف المصري سنوياً في الخمسينات من القرن العشرين تأتي بـ2400 كيلو لحم، وإذا كان كيلو اللحم الآن عام 2017 يقدر بـ140 جنيهاً إذاً الـ240 جنيهاً تساوي 336 ألف جنيه بالأسعار الحالية بواقع 28000 جنيه دخلاً شهرياً في المتوسط للأسرة للطبقة العريضة من المجتمع المصري في ذلك الوقت.
طريقة أخرى: حسابات الدخل القومي
سوف نستعرض الدخل القومي وحجم السكان ومتوسط نصيب الفرد من الدخل القومي مع معامل تخفيض بنسبة 25% من الدخل يذهب نتيجة سوء التوزيع؛ حيث يحصل 1% من المجتمع على 25% من الدخل، و99% من المجتمع يحصل على 75% من الدخل القومي، وبالتالي فطبقاً لذلك تكون متوسطات الدخول كالآتي:
(انظر د. علي بركات: الملكية الزراعية بين ثورتي 1919 – 1952، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية عام 1987، ص 61).
الدخل القومي سنة 1939 كان يقدر بـ 168 مليون جنيه مصري، وكان عدد السكان وقتها 16.6 مليون نسمة، وبقسمة الدخل القومي على عدد السكان يتضح نصيب الفرد وقتها 10.1 جنيه مصري (الجنيه في ذلك الوقت كان من الذهب بوزن 8.5 غرام).
وباستبعاد 25% من الدخل معامل سوء توزيع الدخل يصبح متوسط نصيب الفرد العامل وغير العامل 7.5 جنيه من الذهب سنوياً، وللوصول إلى متوسط نصيب الفرد العامل يتم ضرب 7.5 في متوسط الإعالة لرب الأسرة بمتوسط 5 أفراد، إذاً يكون متوسط نصيب الفرد العامل 37.5 جنيه من الذهب في العام (الجنيه يحتوي على 8.5 غرام من الذهب) أي أن 37.5 جنيه تساوي 318 غراماً من الذهب سنوياً، أي ما يعادل في وقتنا الحالي 175 ألف جنيه سنوياً، أي 14500 جنيه شهرياً في المتوسط نصيب الفرد العامل بأسعار الوقت الحالي.
وبتطبيق الطريقة ذاتها على الدخل القومي عام 1945 الذي كان يعادل 502 مليون جنيه، وعدد السكان 18.8 مليون نسمة نصل إلى أن دخل الفرد العامل قد وصل وقتها إلى ما يقابل 467 ألف جنيه سنوياً أو 38900 جنيه شهرياً بأسعار الوقت الحالي.
تم حساب الأرقام على أساس سعر الذهب 550 جنيهاً للغرام عيار 21، وتم الحساب على أساس معدل الإعالة للفرد العامل 5 أشخاص، وتم حساب الدخل للفرد بمعامل تخفيض 25% من الدخل يذهب إلى سوء توزيع الثروة في المجتمع في ذلك الوقت.
الحد الأدنى للأجور عام 1952
في عام 1952 وبعد الإطاحة بنظام الملكية مباشرة، تم وضع قانون الحد الأدنى للأجر وقُيم بـ18 قرشاً في اليوم، وكانت تشتري نحو 1.5 كيلوغرام من اللحم في الريف، وبفرض أن العامل يعمل 25 يوماً في الشهر، فإن 1.5 كيلو لحم أجر اليوم مضروباً في 25 يوماً يساوي 37.5 كيلو لحم في الشهر، وبسعر كيلو اللحم في الوقت الحالي 140 جنيهاً، إذاً يكون أقل أجر للعامل سنة 1952 هو ما يوازي الآن 5250 جنيهاً في الشهر، وهو ما يعادل أدنى حد للأجر وقتها.
(راجع دراسة الدكتور أحمد السيد النجار حول تطور الأجور في مصر المشار إليها في جريدة اليوم السابع 5 أبريل/نيسان 2010)
فترة الستينات (عبد الناصر)
في عام 1966 وطبقاً للتقرير السنوي الصادر عن الأمم المتحدة وقتها، فإن متوسط دخل الفرد في مصر كان 155 دولاراً سنوياً، وقدر الدخل القومي وقتها بـ4.4 مليار دولار، وكان سعر الدولار في ذلك الوقت 38 قرشاً، أي أن متوسط الدخل بالجنيه المصري في الستينيات 408 جنيهات مصرية سنوياً.
وكان غرام الذهب وقتها بـ84 قرشاً، أي أن الدخل السنوي يتيح الحصول على 485 غراماً من الذهب سنوياً، أي حوالي 40 غراماً من الذهب شهرياً، وبترجمة ذلك بأسعار اليوم على أساس السعر الحالي لغرام الذهب عيار 21 ويقدر بـ550 جنيهاً، فإن متوسط الدخل السنوي للفرد العامل في ذلك الوقت ما يعادل بأسعار الوقت الحالي 266 ألف جنيه سنوياً، أي يقدر بحوالي 22 ألف جنيه شهرياً.
فترة الثمانينات
في أحد الأفلام الشهيرة التي تؤرخ للسينما المصرية وهو فيلم "الكيف" الذي أنتج عام 1985 جاء في سياق الفيلم أن غرام الذهب يساوي 12 جنيه مصري، في حين في مشهد آخر يشكو الممثل يحيى الفخراني ضيق دخله الذي يعادل 250 جنيهاً شهرياً، وبقسمة الدخل الشهري على سعر غرام الذهب يتضح أن الدخل الذي كان يحصل عليه ما يعادل 21 غراماً من الذهب، أي ما يساوي حالياً 11550 جنيهاً في الشهر.
وفي عام 2011 كان متوسط أجر العاملين في القطاع الحكومي ما يعادل 500 دولار، أي 3000 جنيه شهرياً، وكان غرام الذهب وقتها بـ270 جنيهاً، أي أن الدخل الشهري يعادل 11 غراماً من الذهب، أي بما يعادل حالياً 6 آلاف جنيه في الشهر.
ونحن في عام 2017 لم يشهد مرتب الموظف الحكومي زيادة تذكَر، وظل متوسط دخل الموظف الحكومي عند 3 آلاف جنيه شهرياً، أي بما يعادل 5.4 غرام من الذهب شهرياً.
مما سبق نجد واضحاً كيف انحدر مستوى معيشة المصريين على مدى الأجيال من 70 غراماً من الذهب شهرياً كمتوسط للدخل سنة 1945، ثم تراجع إلى 40 غراماً من الذهب عام 1966 في الشهر، ثم إلى 21 غراماً من الذهب عام 1985 شهرياً، ثم أصبح عام 2011 ما يعادل 11 غراماً من الذهب شهرياً، ثم وصل أخيراً في عام 2017 إلى 5.4 غرام من الذهب شهرياً، ولا أعلم إذا استمر الحال كم ستتقاضى الأجيال القادمة شهرياً بما يعادل من غرامات الذهب، أو ربما سيكون حالهم أفضل حالاً من جيلنا، ونأمل ذلك.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.