بعد سلسلة طويلة من الطروحات النظرية والرؤى الفكرية التي تناولناها حصة من الزمن فأشبعناها نقاشاً وتحليلاً وبرهنة وتفنيداً، آن الأوان لنمضي في تحسس مواطئ أقدامنا فيما نظن أنه الدرب المنشود، نتلمس فيه بدايات طريقٍ أحسبه شاقاً وطويلاً.. طريق قد لا نشهد نهايته؛ بل حتماً لن تقر أعيننا ببلوغ المرام منه وجني الثمار في حياتنا الدنيوية القصيرة.
ولكن، ألا يكفينا شرفاً أن بادرنا بضرب معاولنا لاستصلاح الأرض وحمل واجب الاستخلاف المعطل من جديد؟!.. ألا يثلج صدورنا يقيننا بأن ثواب كل من سار في هذا الطريق واصل إلينا غير منقوص إلى يوم يبعثون؟!
في رحلة بحثنا هذه، لا بد لنا من أن نوطِّئ أنفسنا على مفاهيم جوهرية لا بد منها.. ارتأيت أن أستعرض أبرزها على عجالة في هذا المقال:
• لا تنتظر النتيجة: فعمرك قصير لا يكفي لتغيير أمة، والشرخ عميق بحاجة لعقودٍ من الزمن لردمه.. ازرع أشجار الزيتون الرومية وتيقن أن أحفادك؛ بل ربما أحفادهم، هم من سيأكلون منها.
• فاسألوا أهل الذكر: أسِّس لباحثين متفرغين، أوفدهم في شتى المجالات، اجعل البحث العلمي المتقن عيشهم ومعاشهم، حيِّدهم عن أي ولاءات مادية أو سياسية أو اجتماعية، رسِّخ لديهم مفهوم العلم المحايد.. ثم ليتحدث كل ذي علم بما يعلم وكل ذي اختصاصٍ باختصاصه.. وليكن مَعين العلم الذي نشرب منه خلال رحلتنا صافياً نقياً متجدداً لا ينضب.
• لا تخترع العجلة من جديد: فلا تجرفك الحماسة مؤدية بك إلى إضاعة الجهد والوقت لإثبات أو نقض ما هو من المسلمات البديهية.
• انزع هالة القدسية عن كل شيء: فالمقدس سيستعيد قدسيته حتماً خلال البحث؛ بل سيفرضها فرضاً رغماً عن الجميع. وما أُلصقت به القدسية في زمنٍ ما.. لغاية ما.. هو أضعف من أن يستعيدها في غياب العوامل التي سوغت له قدسيته المزعومة. فحصون القدسية المنيعة، خاصة المزعومة منها، تُعطل العقل وتشل الحركة، لذلك كل شيءٍ متاحٌ للنقاش.. أكرر.. كل شيء بلا استثناء.
• إياك وإيقاف تعاطي "الهيروين": بل تدرَّج في تخفيف الجرعات للمدمن بشكلٍ علمي ومدروس؛ فإيقاف المخدرات فجأة يؤدي إلى صدمة عصبية ونفسية وجسدية قد تؤدي بالمدمن إلى الهلاك.. انتهج سياسة مصحات العلاج من الإدمان.
• إياك والعمل الفردي: فنزغات الشيطان على هذا الدرب بالذات مهلكة مدمرة، والعمل الجماعي في مجموعة ذات طيف فكري واسع -ولو تكونت في البدايات من أفراد معدودين- يسمح بتنويع الآراء وتدارك الشطط الفردي وتقويم الانحراف المسلكي.
• إذا أردنا أن نعرف ماذا في إيطاليا، فعلينا أن نعرف ماذا في البرازيل: فلكل مكان خصوصيته وإن التقت المفاهيم في العموم.. فلنعمل على توحيد المفهوم العام في إطارٍ سليم يقبله العقل والمنطق وينسجم مع الأخلاق الحسنة والسلوك القويم.. ونترك التخصيص بالتفاصيل لأهل الاختصاص من أصحاب الأرض بما ينسجم مع الإطار العام، فنعرف أن القهوة اللذيذة المصنوعة بإتقان وحرفية في إيطاليا لم تكن لتكون كذلك لو لم تزرع ثمار البن بحرفية وإتقان في البرازيل.. عالمية المنتج وخصوصية اللمسة المحلية.
• لا تقدِّم الطعام في "نونية": وادعُ إلى مائدتك في البداية الذوّاقة المخضرمين ليتذوقوا نتاج مطبخك وليقدموا لك المشورة حول التوابل المستخدمة وطريقة تنسيق المائدة وسكب المأكولات بذوقٍ رفيع، قبل الافتتاح الرسمي لمطعمك ودعوة العامة إليه.. لعل بهاء مائدتك ورائحتها الزكية يجذبان العوام إليها قبل نكهتها اللذيذة وقيمتها الغذائية المرتفعة.
• لا تحزن: إذا حاربك أعداء التغيير، فسنة الله التغيير والاستبدال؛ لتحقيق الاستخلاف الحقيقي في الأرض. أما سُنة الخلق، فمقاومة التغيير؛ لجهلٍ متأصل أو لمصلحة دنيوية أو لخوفٍ من مجهول.. سُنة الله نافذة طوعاً أو كرهاً، فاستحضر دوماً صفاء نيتك لله تعالى واصبر واحتسب، ولا تيأس ولا تحزن؛ فإن الله معنا.
• حافظ على الشعلة الأولمبية متقدةً: إياك وانطفاء الشعلة!.. احرص على أن تنتقل من يد قطعت بها مسافات وأزماناً إلى يدٍ أخرى تقطع بها مسافاتٍ وأزماناً مختلفة.. لا يهم كثيراً الوعاء الحاوي للشعلة، ولا يهم كثيراً هندام حاملها، سواء كان فارساً خيَّالاً أو عدَّاء أو رباعاً أو مصارعاً أو لاعب جمباز، طالما يتحرك في المسار الصحيح. والمهم أن الشعلة دائماً متقدة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.