لاجئون في دائرة الضياع

ومما لا شك فيه، أن الأحداث في سوريا، ومنذ اللحظة الأولى لاندلاعها، قد أرْخت بظلالها وثقلها على المجتمع الفلسطيني بكل مكوناته، وكشفت عن سلسلة من المشاكل "المعضلة" على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأفسحت المجال للدخول في جدل واسع حول أحقية الانحياز إلى الأكثر أهمية وأولوية في وجودهم الاجتماعي.

عربي بوست
تم النشر: 2017/02/19 الساعة 02:01 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/02/19 الساعة 02:01 بتوقيت غرينتش

وجد فلسطينيو سوريا أنفسهم يدخلون كل مرة مرحلة جديدة من المعاناة، لكن هذه المرة بطريقة أكبر وأشد غرابة مما وقع عليهم من النكبة نفسها في عام 1948.

ما يحدث للاجئ الفلسطيني في أيامنا الراهنة يبدو للوهلة الأولى أكثر غرابة؛ بل هناك كثير من الأحداث اليومية التي تشتبه على كثير منا، يختلط الحابل بالنابل ويقف أولو العقول حيارى ومذهولين مما يجري من أحداث تعود بنا إلى عصر شريعة الغاب وإلى تغيير المفاهيم الإنسانية نتيجة ما تسببه الصراعات والأحداث المأساوية من ويلات وضياع وضرب للهوية وتمزيق للنسيج الاجتماعي.

ومما لا شك فيه، أن الأحداث في سوريا، ومنذ اللحظة الأولى لاندلاعها، قد أرْخت بظلالها وثقلها على المجتمع الفلسطيني بكل مكوناته، وكشفت عن سلسلة من المشاكل "المعضلة" على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأفسحت المجال للدخول في جدل واسع حول أحقية الانحياز إلى الأكثر أهمية وأولوية في وجودهم الاجتماعي.

وهنا، لا بد من التطرق إلى قضية غاية في الأهمية؛ وهي الآثار الاجتماعية للصراع وما يترتب عليه من آثار سلبية على المجتمع وعلى الأسر الفلسطينية التي ما زالت محاصَرة في المخيمات، والعوائل التي اضطرت إلى النزوح إلى أماكن أكثر أماناً بمناطق أخرى وسكنوا مع أقارب لهم في سكن جماعي، واختلاط اضطراري أدى إلى العديد من المشاكل الاجتماعية بدت آثارها السلبية واضحة على كثير من الأُسر وعلى نمط الحياة ونفسيات الناس.

وأصبحت الحياة الاجتماعية معدومة، والروابط الأسرية مفككة، ولم يعد هناك توادٌّ ولا تراحم بين الناس، ولم يعد هناك مشاركة إنسانية لا في الأحزان ولا في الأفراح؛ لأن كل واحد أصبح مشغولاً بنفسه وهمومه بمعزل عن الآخرين. ومع الأسف، هذه الظاهرة قد تفشت في مجتمعنا وأخذت بكل واحد منا في طريق مختلف عن الآخر إن لم يكن ضداً له .

وكذلك العوائل التي هاجرت إلى دول الجوار وإلى أوروبا في هجرة قسرية، يصعب على العديد منهم التأقلم على العيش في البلاد الجديدة، وكذلك صعوبة التكيف مع العادات والتقاليد هناك، والبعد عن الأهل والأقارب والأصدقاء، وفقدان الإحساس بالاستقرار والأمان، والتخلي عن المبادئ والعادات التي تربوا عليها وأيضاً الشعور بالغربة والعزلة والوحدة، وأنه أصبح يعيش على هامش الحياة بمجتمعات لا ينتمي إليها أو في مجتمعات لا تتقبله وتعتبره عبئاً اقتصادياً واجتماعياً عليها.

وسط هذا التدهور الخطير في الحياة اليومية، وضمن هذه المشاهد، كانت حالة اللاجئ الفلسطيني هي التجسيد الأبرز الذي تجلَّى فيه هذا التعقيد والتشتت.

فالحرب، والصراع الدائر خلَّفا -وما زالا- الآلاف من القتلى والجرحى والمفقودين، والآلاف من المعتقلين والمهجَّرين، وقد كان الكثير من هؤلاء الضحايا أرباب أُسر، لهم دور أساس في بقاء أُسرهم وتماسكها، سواءً أكان المسؤول عنها أباً أم أخاً أم من ينوب عنهما أم كلاهما في الغالب.

هذا الوضع خلق شرخاً عميقاً على مختلف المستويات وأفرز آثاراً كارثية على أبرز مؤسسة اجتماعية ألا وهي "الأسرة"، حيث وجدت نفسها في حالة من عدم التوازن بسبب انشغال كل فرد بقضاياه الخاصة، وهذا ما أسهم في تباعد واتساع الهوة وضعف العلاقات الاجتماعية، ومن ثم حدوث تصدُّع الأسرة وتفككها. كما أن هناك عوامل أخرى أسهمت، بشكل أو بآخر، في إحداث شرخ بالعلاقات الأسرية مثل: البطالة، وعدم الاستقرار، ووفاة أحد الوالدين، والطلاق، والهجرة…

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد