إسرائيل.. ما لا نعرفه عن “المعجزة الزراعية”!

الحقيقة أن مفهوم الزراعة والاستيطان مُرتبط جداً ببدايات الحركة الصهيونية والترويج للهجرة إلى أرض "إسرائيل" التي ارتبطت عندهم بمفهوم إعادة إحياء الأرض من خلال العمل والزراعة

عربي بوست
تم النشر: 2017/02/19 الساعة 05:39 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/02/19 الساعة 05:39 بتوقيت غرينتش

بعد مقدمة من الصور والمقاطع الأرشيفية من صحراء فلسطين وكلمات لمارك توين يصف فيها بشاعة فلسطين التي زارها عام 1867، يُطل علينا وجه أميركي في وثائقي Made in Israel ليُطمئننا بأنه لو كان مارك توين بيننا اليوم لغمرته السعادة وهو يرقب الأشجار والبساتين في فلسطين والمشاريع الزراعية الرائدة عالمياً هناك، وكأن فلسطين كانت فعلاً أرضاً قاحلة قبل وصول اليهود وإنشاء الكيبوتسات الصهيونية، بل كأنهم اليهود هو اول من زرع الأرض، وكأن يافا لم تعرف البرتقال قبلهم، وكأن الجليل لم يكن أخضر من قبل وكأن شيئاً لم يكن.

العبث كُل العبث أن ننكر أن إسرائيل تفوّق في مجال الزراعة، على الأقل أكثر بكثير من الدول العربيّة، فقد باتت اليوم سبّاقة في دعم المشاريع الزراعية في العالم وفي إفريقيا بشكل خاص، بعد أن استطاع الخبراء الزراعيون أن يصلوا إلى حلب 10 آلاف لتر من الحليب من كُل بقرة سنوياً، واستطاعوا تطوير أصناف من الطماطم تُعتبر من أطول أصناف الطماطم عمراً، كما أنك لو زُرت حانوتاً في أوروبا فليس غريباً أن تجد هناك الأفوكادو والحمضيات والتمور الإسرائيلية التي تُباع حتى في حوانيت المُسلمين في الغرب وفي شهر رمضان بالذات.

فضل الألمان على الصهاينة الأوائل

ولكن ماذا تُخبئ هذه الإنجازات في جعبتها؟ الحقيقة أن مفهوم الزراعة والاستيطان مُرتبط جداً ببدايات الحركة الصهيونية والترويج للهجرة إلى أرض "إسرائيل" التي ارتبطت عندهم بمفهوم إعادة إحياء الأرض من خلال العمل والزراعة، كما يُمكن أن نقرأ في كتاب "دولة اليهود" لثيودور هرتسل، ولو تأملنا أولى المستوطنات الصهيونية مثل مستوطنة بيتاح تكفا التي تأسست في أواخر القرن التاسع عشر لوجدناها تأسست على أطراف نهر العوجاء، وهي المنطقة التي انتشرت فيها المستنقعات والأمراض في تلك الفترة، ولذلك فشلت محاولات الاستيطان الصهيونية الأولى فيها، وهناك لجأ هؤلاء المستوطنون اليهود إلى خبرة المستوطنين الألمان الذين كانوا قد سبقوهم في الاستيطان في أرض فلسطين منذ عام 1861 تقريباً، وكانت لهم مستوطنة قرب يافا لا زالت آثارها حتى اليوم وتُدعى "سارونا"، وهم الذين جلبوا معهم ذروة ما وصلته الهندسة الألمانية في ذلك الوقت، وقد استفاد الصهاينة كثيراً من الألمان "الهيكليين" في مجال الزراعة وكيفية ري الأرض بالمضخات!

"اغتيال المدينة"

مؤسف جداً أن أفلام الدعاية الصهيونية تلقى رواجاً وتفاعلاً ضخماً، وللمقارنة فإن عدد مشاهدات فيلم "صُنع في إسرائيل" بلغ أكثر من مليون مُشاهدة على اليوتيوب بينما لم ينل فيلم "اغتيال المدينة" للمخرج رامز قزموز عُشر هذه المشاهدات، مع أنه يُعتبر من أرقى الأفلام التي تناولت قضية فلسطين بشكل مُختلف وغير تقليدي، حيث تناول الفيلم الإنتاج الزراعي والصناعي وكذلك الأدبي في فلسطين قبل النكبة؛ حيث تُشير سعاد قرمان وهي فلسطينية من عائلة ثرية في حيفا، وكان لعائلتها شركات كثيرة قبل النكبة ومنها محلبة كبيرة كانت تستورد البقر الهولندي، والتي كانت على أحدث طراز مع أدوية ومع محلبة أوتوماتيكية، وليس باليدين كما تقول سُعاد، وشاهد آخر هو "إسماعيل أبو شحادة" الذي التقيته في بيته أكثر من مرة، وقد ظهر في فيلم "اغتيال المدينة" وأفلام أخرى كثيرة، كونه قارئاً مميزاً ومُطلعاً على الصناعات في عصره؛ حيث إنه عمل في مجال المضخات المائية والزراعة، وكان يؤكد في كل مرة كيف كانت شركة السكب الفلسطينية تصنع المضخات، وكيف كان العمال يأتون من كل الأقطار العربية للعمل في فلسطين، وبالأخص في الميناء وفي بيّارات البرتقال.

سرقة المياه!

وبينما تبدو "إسرائيل" اليوم كالأم الحنون على "الأفارقة" الفقراء، فإن الكاتب الألماني كلمنس ميسرشمد يُشير في كتابه "آخر رشفة ماء" إلى حقائق كثيرة مُتعلقة بالنهب الإسرائيلي للمياه، مثل صدور القرار العسكري الإسرائيلي رقم ( 92) عام 1967 بنقل السلطة على الموارد المائية للقائد العسكري في المنطقة، ثم قرار (158) في نفس العام الذي يمنع البناء غير المرخص لإنشاء أي من البنى التحتية للمياه، ولم تقف المُشكلة عند هذه القرارات؛ لأنه وبعد اتفاقية أوسلو التي كان يُفترض أن تجلب "السلام" فلم تجلب إلا "المشاكل"؛ حيث أصبحت سياسة الإسرائيليين كما يقول الباحث الألماني: "ما هو لي فهو لي، وما هو لكم فهو لنا"، وهو ما يعيش الفلسطينيون في منطقة الأغوار بشكل يومي؛ حيث تتحكم إسرائيل بمياههم وتحرمهم منها، لدرجة أن رئيس برلمان الاتحاد الأوروبي لم ينتقد شيئاً في إسرائيل كما انتقد سرقتها للمياه قائلاً: كيف يُمكن للإسرائيلي أن يستهلك يومياً 70 لتراً من المياه بينما لا يسمح للفلسطيني إلا باستهلاك 17 لتراً؟

مُقاومة التصحر

يستحيل أن تقرأ عن إنجازات إسرائيل الزراعية ولا تقرأ عن إنجازاتها في مقاومة التصحر، ففي موقع وزارة الخارجية الإسرائيلي يفتخرون بقدرة إسرائيل الخارقة على تحويل أراضي الصحراء القاحلة إلى أرض صالحة للزراعة، والمهم في التقرير أنه يعود بنا إلى أجداد "اليهود" الذين عاشوا في صحراء النقب قبل 2000 عام ويُمكن اعتبارهم مصدر إلهام في مُقاومة التصحر كما يُشير التقرير إلى أفكار أخرى مميزة ولكنه يتناسى أخطر فكرة.

فكرة أيهما أولى، الإنسان أم الشجرة؟ فغابة يتيّر، التي تُعتبر أكبر غابة في "إسرائيل" وتقع في واحدة من أكثر المناطق جفافاً في العالم في صحراء النقب؛ حيث توجد قريّة عتيّر البدوية، ولكن الصهاينة أطلقوا عليها اسم يتيّر الإسرائيلي فهم لا يعترفون بالقرية اصلاً، وتنوي إسرائيل حالياً تهجير أهلها لتخضير الصحراء وزراعة المزيد من الشجر في غابة يتير، وبحسب المخطط فإن غابة يتير يُفترض أن تمتد على مساحة 124500 دونم، وبالتالي فهي ستشمل قرية عتيّر التي يُنظر إليها في المخطط وكأنها بلا سكان ويتجاهلها تماماً، علماً بأن عدد سكانها حوالي 500 شخص، وبالتالي فإن المخطط يُعطي الضوء الأخضر لهدم القرية وترحيل أهلها من أجل غرس الشجر.

ثم بعد ذلك يُحدثونك عن "المعجزة الزراعية"!

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد