كان حذر الوطنيين السوريين والثوار من مسارات "جنيف وفيينا" في محله، ليس من باب الرفض للنضال السياسي وهو الأساس، حيث بدأت الثورة سلمية وتحرك الجيش الحر والحراك الثوري العام من موقع الدفاع ومقاومة جرائم نظام الاستبداد وحلفائه؛ بل لأن من تنكَّب للتفاوض من ممثلي المجلس الوطني والائتلاف وهيئة التنسيق وهيئة التفاوض التي تمثل فيها الأطراف الثلاثة زائداً الوافدون الجدد حديثاً من مؤسسات النظام- لم ينالوا شرعية التخويل والتحدث باسم الثورة، كما تخلوا منذ الوهلة الأولى عن أهداف الثورة (إسقاط الاستبداد وإجراء التغيير الديمقراطي)، بذريعة المرونة والانسجام مع الإرادتين؛ الإقليمية والدولية. كما ذهبوا بعيداً، وبطرق ملتوية وباستخدام لعبة المصطلحات، عندما قبلوا ليس ببقاء النظام؛ بل بالحفاظ عليه تحت مسمى صيانة مؤسسات الدولة.
لا شك، كان السوريون سيغفرون لمن خرج عن نهج الثورة من هؤلاء "المعارضين" خلال أعوام خمسة أو أساءوا إليها عمداً أو عن جهل، وكانوا سيعيدون النظر إيجابياً لو امتثلوا لإرادة الغالبية ولمنطق استخلاصات تجارب تاريخ الثورات وأقدموا على خيار المراجعة الجذرية النقدية الشاملة في تقييم الماضي القريب بكل إخفاقاته السياسية والعسكرية من خلال المؤتمر الوطني السوري الجامع لقوى الثورة والأطياف الوطنية المستقلة والتيارات السياسية، الذي من شأنه استعادة الشرعيتين الثورية والوطنية وصياغة البرنامج السياسي وانتخاب مجلس سياسي-عسكري كفء لمواجهة تحديات المرحلة. ولكن وللأسف، تجاهلوا كل النداءات وخرجوا مرة أخرى على إرادة الشعب وضربوا بعرض الحائط كلَّ المهام الوطنية العاجلة.
لإصرار هؤلاء "المعارضين" على التمثيل -كسابق عهدهم- في "جنيف" القادم بأي ثمن، وكأن ذلك هو الهدف الوحيد والمبتغى! فقد تناسوا كل التغيرات العسكرية وسقوط حلب ومناطق أخرى كانت محررة في الغوطة وريف دمشق ومناطق حمص وحماه وريف حلب، وقفزوا فوق كل التطورات السياسية، وخصوصاً البيان الثلاثي والإطباق الكامل من جانب المحتل الروسي، إلى درجة أنه أصبح الآمر الناهي وصانع المعارضات ومحدد توقيت جنيف ومقرر من يشارك وواضع الدستور السوري من دون الوقوف على نتائجها وتفاعلاتها، والطامة الكبرى عندما يتجاهلون قدوم مرحلة جديدة دشنها "أستانا 1″، عنوانها انتقال تمثيل الثورة إلى الفصائل المقاتلة.
صحيح أن الممثلين الشباب؛ من قادة وكوادر ومقاتلي مجاميع الجيش الحر والفصائل ذات المسميات "الإسلامية"، كانوا في غاية التواضع ولم يدَّعوا "التمثيل الشرعي الوحيد"؛ بل جلبوا معهم أعضاء من الهيئة التفاوضية العليا كمستشارين (من دون الحاجة لاستشارتهم طبعاً). ورغم أنهم قادوا وحدهم أولى المفاوضات خارج البلاد ولو أنها كانت تحت عنوان تثبيت وقف إطلاق النار، فإنهم وبقرارة أنفسهم لم يقتنعوا، في أي لحظة، بأداء "المعارضين بكل كياناتهم"، وكان يوم سعْدهم عندما تخلصوا من وصاية أولئك -المعارضين- الفاشلين الحاملين لأجندة إقليمية والقابلين للتعاون مع النظام ومؤسساته بعد تخليهم عن أهداف الثورة.
يعلم الوطنيون السوريون وأنصار الثورة والتغيير الديمقراطي، وبينهم ممثلو مجاميع الجيش الحر والحراك الثوري العام، أن "معارضتهم!"، وبخلاف كل معارضات بلدان ثورات الربيع، يهرولون للتعاون مع النظام المستبد القائم بمعظم مؤسساته تحت غطاء جنيف، في حين أن المعارضة السياسية وحتى الثوار في ليبيا مثلاً وإلى حد ما في اليمن ومصر يتحاورون ويتواجهون ويتصارعون؛ من أجل إعادة بناء النظام السياسي على أنقاض النظم القديمة ومؤسساتها الرئاسية والعسكرية والأمنية والحزبية المتهالكة.
انطلاقاً من الحقائق السالفة ومن الخيبة العامة من تصرفات المعارضة، وفي سبيل قطع الطريق عليها من التمادي في تقديم التنازلات بالجولات القادمة، ومن أجل وقف التدهور وإعادة الاعتبار لأهداف الثورة وقِيم الثوار والالتزام بإرادة الشعب السوري- من الضروري، وبصورة مؤقتة إلى حين توفير شروط عقد المؤتمر الوطني الجامع، أن تتم تشكيلة الوفد المفاوض في جنيف ومختلف المحافل الإقليمية والدولية من ممثلي تشكيلات الجيش الحر والفصائل المقاتلة بمسميات أخرى مؤمنة بأهداف الثورة، ومن ضمنه ممثلون عن المستقلين والشباب والإعلاميين من كل المكونات القومية والحراك الوطني العام والمناضلين الذين أُبعدوا من جانب الإخوان والأحزاب الآيديولوجية وبمعزل عن كل الكيانات الممثَّلة في الهيئة التفاوضية التي يمكن أن ترسل ممثلين عنها كمستشارين للوفد المنشود إذا دعت الحاجة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.