يتعقَّبون آثارنا

لكن العقبة التي واجهت العلماء كانت في كيفية جمع هذه المعلومات على نطاق واسع، إلى أن جاءت وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة "فيسبوك"، لتحل هذه المشكلة، فمن خلال متابعة عدد وطبيعة حالات الإعجاب التي يبديها الشخص تجاه أمر ما

عربي بوست
تم النشر: 2017/02/15 الساعة 01:20 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/02/15 الساعة 01:20 بتوقيت غرينتش

لم يسترعِ البيان الصحفي المقتضب الذي أصدرته شركة بريطانية بالكاد معروفة تدعى "كيمبريدج أناليتكا" انتباه الكثيرين، فقد ضاع هذا التصريح المثير في غمرة صدمة العالم بالأخبار المقبلة من واشنطن، معلنة فوز دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة، وقد أعربت الشركة المذكورة عن سعادتها بمساهمة "الطريقة الثورية" التي ابتكرتها في مجال الاتصالات والإعلان، والمستندة إلى قاعدة من البيانات الرقمية الضخمة عن الناخبين، في فوز ترامب.

صحيفة "Das Magazine"، الناطقة بالألمانية، التي تصدر في زيوريخ، نشرت تقريراً استقصائياً حول هذا الموضوع، والدور الذي لعبته "كيمبريدج أناليتكا" في حدثين مهمين هزَّا العالم، هما التأثير على الناخب البريطاني في حملة التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أو ما يعرف بـ"بريكسيت"، وفوز ترامب بالانتخابات الأميركية، كما الدور الذي لعبه أحد فروع علم النفس الذي يعرف بـ"Psychometrics"، والبيانات الضخمة "Big Data" المستقاة من شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي حول السلوك النفسي للناس،

ومواقفهم السياسية، وعاداتهم في التسوق وما يحبون ويكرهون، وتوظيف هذه القاعدة من البيانات في توجيه وصناعة الرأي العام، من خلال مخاطبة فئات معينة من الناس برسائل تحمل مضامين موجهة إليهم بشكل خاص، أو حتى إلى أفراد بعينهم بناء على تلك البيانات والنتائج التي تمخضت عنها.

فالبيانات الكبرى تنطلق من مبدأ أن أي سلوك نقوم به في تفاصيل الحياة اليومية، في العالمين الحقيقي والافتراضي، يترك بصمة أو أثراً، وأن أي جهة بإمكانها الوصول إلى هذه البصمات الرقمية، وتجميعها وتحليلها، وبالتالي تتمكن من رسم صورة عالية الدقة عنّا كأفراد وجماعات، وإذا ما أُتبع هذا بمحاولة إيجاد علامات فارقة تميز الأشخاص الذين يشتركون في صفات معينة، سيكون بإمكان هذه الجهة إعادة تصنيف الناس بناء على هذه الصفات، وبالتالي فهم اهتماماتهم، وشغفهم، ومخاوفهم، وحتى اتجاهاتهم الفكرية والسياسية، وانتماءاتهم الدينية والعرقية.

هذا بالضبط ما فعلته شركة "كامبريدج أناليتكا" في الموضوعين البريطاني والأميركي؛ حيث وجهت اهتمامها إلى المترددين من الناخبين في البلدين، وقامت بالتواصل معهم من خلال رسائل شخصية تخاطب مخاوفهم وتطلعاتهم، بحيث دفعتهم إلى التصويت في الاتجاه الذي تريده أو يريده الممولون. أما أولئك الذين رأت فيهم مصوّتين محتملين في الاتجاه المعاكس، فقد حاولت التأثير عليهم لثنيهم عن التوجه إلى الصناديق، وبذلك حرمت الخصم من أصواتهم، كما حدث مع الناخبين من ذوي الأصول الإفريقية والهايتية في الولايات المتحدة.

إن محاولة فهم الشخصية من خلال القياس أو "Psychometrics" ليس علماً جديداً، فقد حاول العلماء في ثمانينيات القرن الماضي فهم شخصية الإنسان من خلال قياس بعض الصفات، مثل الانفتاح على الآخر، والسعي إلى الكمال، والحساسية المفرطة، ومراعاة مشاعر الآخرين، والقدرة على التواصل معهم. لكن العقبة التي واجهت العلماء كانت في كيفية جمع هذه المعلومات على نطاق واسع، إلى أن جاءت وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة "فيسبوك"، لتحل هذه المشكلة، فمن خلال متابعة عدد وطبيعة حالات الإعجاب التي يبديها الشخص تجاه أمر ما،

صار بإمكان الباحثين تكوين صورة دقيقة إلى حد بعيد عن ميوله ورغباته وشخصيته، وإذا ما أضيف إليها البصمات التي تخلفها هواتفنا الذكية، والتي ترصد سكناتنا في حلنا وترحالنا على مدار الساعة، والمواقع التي نتصفحها ونتردد عليها، ومدفوعاتنا من خلال بطاقاتنا الائتمانية، فإن بإمكان كل من يملك القدرة على الوصول إلى هذه البيانات أن يكّون صورة عنّا قد لا تكون معروفة حتى لأقرب الناس إلينا.

لقد أفلت إلى غير رجعة مدرسة "غوبلز" في الدعاية والتأثير في الرأي العام، لصالح مدرسة أخرى أكثر ذكاء وجاذبية، نقلت هذا العلم من "القصف العشوائي" إلى القنابل الذكية والموجهة التي تصيب هدفها المرسوم بدقة، بعد أن زوّدنا الآخرين بإحداثياتنا الدقيقة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد