في هذه المرحلة الانتقالية التي يجتازها السوريون، على النخب الكردية ومثقفيهم ونشطائهم وحراكهم الشبابي ومستقلّيهم الوطنيين التصدي لتحديات الحالة الكردية الخاصة التي لا تتجزأ من الحالة الوطنية العامة؛ بل تستكملها وتسهم في إنجاز مهامها الراهنة بالخلاص من الاستبداد وتحقيق السلام، وصولاً إلى سوريا الجديدة المنشودة، وهنا ليس من قدر الكرد قبول المعادلة السائدة حتى الآن بالبقاء أسرى صراعات أحزاب المجلسيين التي اتفقت سياسياً في اجتماعات أربيل ودهوك، وتصارعت على النفوذ والحصص نعم جماعات (ب ك ك) المدانة بعلاقاتها تمارس القمع والتهجير ورفض الآخر المختلف بالعنف لتحقيق أهدافها السياسية، ولكن قيادات أحزاب (المجلس) لم تقدم البديل الأفضل، ولم تخرج من شرنقة الذهنية الحزبية والاتكالية والتردد والفساد، ولم تحظَ بقبول الكتلة التاريخية الشبابية والمستقلة، وهي الغالبة التي ستمضي قدماً، وعبر الحوار في طرح المشروع القومي والوطني وإعادة بناء الحركة الكردية.
رسالة أستانا معروفة من العنوان، فمعظم المشاركين من الطرف (المعارض) وباسم المستشارين والمعاونين للفصائل المسلحة، بدأوا الإفصاح عن مواقفهم الحقيقية قبل الوصول وبعده، وهي التركيز على محاربة إرهاب جماعات القاعدة ومتفرعاتها (وهو أمر لا خلاف عليه)، ولكن من دون حتى الإشارة إلى إرهاب الدولة الذي يمارسه نظام الأسد، ومسؤولية بعض جماعات الإسلام السياسي المهيمنة على المعارضة في جلب الإرهابيين وانتشارهم بين ظهرانَي الثورة وحولها، كما أن هذه المواقف الناكرة لأهداف الثورة وشعاراتها لم ولن تصدمنا؛ لأن أصحابها، وخاصة من الجماعات الحزبية، لم يكونوا يوماً حتى مع فكرة الثورة على الاستبداد، وهم مَن واجهوا الحراك الشبابي الثوري إلى جانب أجهزة السلطة، وعزاؤنا الوحيد والأمر الأهم هو إمكانية تحقيق وقف شامل وكامل للقصف والتدمير من جانب رعاة اللقاء وجيش النظام وحلفائه.
جميع الثوار، ومن مختلف المكونات القومية -عرباً وكرداً وتركماناً- والأديان والمذاهب، وشرفاء الجيش الحر وكذلك الوطنيون المستقلون وناشطو الحراك الشبابي والمجتمع المدني الداعمون لثورتهم منذ اندلاعها، ومنتديات المثقفين بأطيافهم المتعددة، مدعوون إلى التواصل في هذه الظروف العصيبة للبحث الجاد والعملي عن تهيئة لجنة تحضيرية تتميز بالنزاهة والتمثيل الواسع لإنجاز عقد (المؤتمر الوطني السوري) كسبيل وحيد للخروج من المأزق الراهن، وإعادة بناء وتنظيم ثورتنا المغدورة، عبر برنامج سياسي واقعي جديد، ومجلس سياسي – عسكري كفء، ونهج يرتقي إلى درجات خطورة الوضع، والاستفادة من دروس الانتكاسة والهزيمة العسكرية في حلب، وذلك قبل أن يتمكن (فرسان الثورة المضادة في المجلس والائتلاف وغيرهما) من ركوب الموجة كما تسلَّقوا سابقاً على أكتاف الثوار.
سوريا بأكملها -ومن ضمنها الكرد- تمر بمرحلة انتقالية وتنتظر الجديد على أنقاض نظام الاستبداد، ببزوغ فجر التجديد، وظهور المشروع الوطني الديمقرطي النابع من صلب الحركة الشعبية الأصيلة، وعمادها الشباب والوطنيون المستقلون وممثلو المجتمع المدني والمناضلون الذين لم تتلوث عقولهم بقذارات العقليات الحزبية والأيديولوجيات الشمولية المافيوية ولوثات جماعات الإسلام السياسي، وحافظت على طهارتها من رجس الإذعان للخارج، ومقايضة الموقف السياسي بالدعم المالي التي أودت بثورتنا إلى التراجع، وإلى حافة الهزيمة، وبقضيتنا الكردية إلى متاهات المجهول وحدود الخطر، وفي ظل ظروف كهذه تستقتل الجماعات الكردية الحزبية السائدة على أن تستمر على علاتها وتتشبث بمواقعها المهزوزة، مثل الغريق الذي يستنجد بالقش، عبر نشر مواقف ووثائق مزايدة ومناقصة في آن معاً، نقول لهم جميعا: كُفُّوا عن التضليل لقد فات الأوان.
تأملت كثيراً فيما يشاع عن أن الرئيس الأميركي المنتخب سيتفاهم مع القيادة الروسية وكذلك الحال مع مرشح اليمين الفرنسي، إذا فاز بانتخابات الرئاسة، ولكن -وكما أرى- فإن المسألة ليست بهذه البساطة؛ حيث هناك صراع بين المصالح الاقتصادية والنفوذ على المواقع الاستراتيجية في سائر أنحاء المعمورة، وسباق بالتسلح بين روسيا بوتين، التي تحاول استعادة مواقع الاتحاد السوفييتي السابق، ولكن تحت تأثير الصعود القومي الانتقامي من جهة، وبين أميركا وأوروبا، فهل يعقل أن يرضخ الغرب للهجمة الروسية ويتخلَّى عن موقعه للخصم التاريخي والمستقبلي؟ بالعكس تماماً أرى أن هؤلاء الرؤساء الشعبويين إن استتب لهم الحكم في بلدانهم، وبعد ترتيب أمور الداخل، سيديرون الصراع بقوة مع موسكو، وحتى بكين، وستتجدد الحرب الباردة وقد تكون بأشكال أخرى.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.